وأريد «بالحاجة» ما يعم الضروريات والكماليات جميعا، فحاجة الإنسان إلى الثواء في المأمن هي التي هدته إلى بناء الدور، وحاجته إلى الأنهار هي التي هدته إلى إقامة الجسور، ومن ثم نجم فن الهندسة، وقل مثل هذا في سائر الفنون التي تدعو إليها ضرورات الحياة، كما أن استراحته إلى تنغيم الطيور وتسجيعها، وتغريدها وترجيعها، وما يجد لذلك من طرب ويملكه من أريحية، قد بعثه هو الآخر على التنغيم والترنيم، وكذلك نشأ فن الموسيقى، وقل مثل هذا في كل فن جميل.
وبعد، فأنت خبير بأن الفنون كلها وإن نشأت بسيطة غاية في البساطة، ضئيلة غاية في الضآلة، بحيث لا تواتي إلا أدنى الحاجة، فإنها على الزمن لا تفتأ تتسع وتتركب، وتتشكل وتتلون، طوعا لسنة الاطراد في تفقد سائر مطالب الحاجة أولا، ثم التدرج في التماس الأحسن ثانيا، ثم التأنق في ابتغاء الكمال ثالثا، ولا يزال الإنسان يجد في السعي لبلوغ هذا الكمال؛ ولكنه غير بالغه مهما تراخى الزمان بحال!
ولقد نعلم أن الفنون في تطورها وتلونها وتهذبها وارتقائها، والأساليب التي يجري فيها كل أولئك، خاضعة للزمان والمكان، والجو ومألوف العادات، ومأثور التقاليد، وحظ القوم من التعليم والتثقيف، ذلك شأن الفنون كلها، ضروريها وكماليها فيه بمنزلة سواء. •••
هذا ما هداني إليه الفكر في أمر «الفن» فإذا كان القلم قد زل في بعض الرأي، فأرجو أن يدلني العالمون على وجه الصواب.
في الفن1
لا أحاول أن أعالج في هذا الباب بحثا علميا يقوم على نظم الأدلة ومدافعة الشبه، إنما أريد أن أعرض ما سنح لي فيه من الخواطر وما تنظر
2
من الأفكار.
إنك لترى المرأة التامة أو الفتاة الكعاب فيتداخلك العجب بها فتروح تهتف بجمالها، وإنك لترى طاقة الزهر قد ائتلفت وتناسقت أنوارها
3
अज्ञात पृष्ठ