192

ولكن لقد كانت كذلك أثرة شديدة منك يا بني أن تطلب النجاة بنفسك من هذه الحياة، وتتركني كما تركتني لا أنا مع الموتى ولا أنا مع الأحياء!

أمسكتك وحرصت عليك إرضاء لشهوة نفسي، وتركتني وفررت مني إرضاء لشهوة نفسك، وواحدة بواحدة، وذلك الجزاء الوفاق!

وافيتني ولم أدعك، فعندي من مثلك ما يكفي وما يغني، والفضل لله، فصدفت عنك وأعرضت.

وما أدري أكان ذلك مني عن زهد فيك أم بطر على نعمة الله بك؟ ولكنك أبيت إلا أن يكون لك هناك محل، فما برحت تجهد لذلك الجهد الكبير، بخلقك هذا الدقيق الصغير، تعمل لتلك الغاية في كل يوم من الشهر، وفي كل ساعة من اليوم، وفي كل دقيقة من الساعة، لا وانيا ولا متخاذلا، تعمل لها مستيقظا ونائما، ومختلجا وساكنا، ومبتسما وباكيا، وصحيحا وشاكيا، وهل كان مما يخرج عن جهدك أن تكبر وتزكو، وتنمو وتحلو ؟ ومع هذا لقد كنت أجاهد فيك النفس وأغالبها عليك، وأزعم إذا هتف بك إخوتك ومضوا يشيدون بموقعك من قلوبهم، أنك لا ترتقي في السعر عندي إلى جناح البعوضة! وإني لأغلو في هذا وأشتد كلما غلوا واشتدوا في أنك الآثر الأحلى.

ثم أجدني - على غير إرادة مني - أختلس النظرة السريعة إليك، ثم أجدني - برغم عنادي - أثبت النظر في وجهك وأطيل، ثم يبدو لي في سر من العيون أن أمس ببنانتي خدك الرخص الدقيق، فإذا أنت تبتسم وتدير في وجهي طرفك الحيران، ثم أتشجع على نفسي فألاغيك، فإذا أنت ترجع بالصوت الناعم الرقيق كأنه قطعة من أنعم نسمات السحر، ثم إذا بي أقبلك فإذا لقبلتك حلاوة، وإذا بي أجد لها على صدري بردا!

وإن هي إلا أيام تمضي على هذا، حتى أصبحت أشعر أن هذه القبلة تجاوزت أن تكون لذة من اللذائذ، فقد صارت لعيشي ضرورة من الضرورات.

فإذا أصبتك نائما في ساعة من ساعات حنيني إليك وما أكثرها، علقت عيني بشخصك، وأفرغت كل ما في قلبي على وجهك الملائكي لو أن الملائكة تنام.

لقد بلغت وشيكا غرضك، فأصبحت من شغل نفسي، بل لقد كدت تصبح شغل نفسي جميعا، وهكذا ينخذل عنادي من دونك انخذالا، وأفتضح يا بني في هواك افتضاحا!

لقد تم لك يا حسن كل ما أردت، وبلغت مني فوق كل ما أردت، وهذا مطعني لقد انكشف لك دانيا سويا، فما لك لا تعجل بالثأر من بطري، فتطعن الطعنة الشهلاء، وهذا منك أعدل الجزاء؟ ولقد فعلت يا بني في غير تردد ولا إبطاء!

وهكذا لقد كفى عزمك الحديد عشرون دقيقة بين أن كنت كالوردة الضاحكة وبين أن صرت جثة تطلب - وا مصيبتاه - اللحد!

अज्ञात पृष्ठ