وبقيت كالرجل المدله عقله
أشكو الزمان وأضرب الأمثالا
سالمت عذالي فآبوا بالرضا
عني وكنت أحارب العذالا
ومقد علمت بأنه ما من فتى
إلا سيبدل بعد حال حالا
يا حافظ! إن الرجل العظيم ليموت فيخلو بموته موضع واحد، أما أنت فلقد أخلى موتك مواضع كثيرة: أنت شاعر النيل غير مزاحم؛ فلقد اتصل شعرك بمائه، وامتزج بواديه أرضه وسمائه، وشدا في نعمائه وسرائه، وناح في بأسائه وضرائه، وأنت الكاتب لا يلحق في حسن الصياغة غباره، ولكن تترسم إذا أعوز تجويد النسج آثاره، وأنت الأديب التام؛ تضرب في فنون الأدب كلها ما تشرد عليك شاردة، ولا تند عنك منها مستأنسة ولا آبدة، وأنت المحاضر كأنما يخوض منك جلاسك في عباب، أو كأنما يقرأون منك في كل باب أسبغ كتاب، وأنت السمير ما تبرح تشيع في مجلسك الطرب، وما يبرح جلاسك يتنزون لحديثك من إعجاب ومن عجب، وأنت الذكي الألمعي ويا له من ذكاء كان مثل سنا البرق، يومض من جانب الغرب فيسطع في عرض الشرق، وأنت، وأنت، وأنت يا حافظ! لقد كنت معاني كثيرة، وكنت مباهج من مباهج الحياة عديدة، فقدر يا أخي، رحمك الله، جملة مصائبنا فيك!
أنا هنا إنما أبكي حافظا لا أنشر مناقبه؛ فلذلك بعد مقام عريض. •••
وبعد، فلقد تعذرت على رثاء حافظ طويلا ضنا بنفسي على إظهار الناس على ما يشهدون اليوم من حيرة ووله واختلال أعصاب، ولكن لقد بعثني على هذا من أصدقائي من لا أستطيع مدافعتهم، وإظهار الخلاف لهم، فحقت علي قولة الشاعر:
ألا يا حمامي قصر زوران هجتما
अज्ञात पृष्ठ