فقد ارتفع سقفها إلى مدى الطبق الثاني، وهذا السقف كله مؤلف من قطع مربعة من البلور افتنت فيها أيدي الصناع بمختلف الأشكال في مختلف الألوان، فخرج من هذا الاختلاف، أحسن الاتساق وأحكم الائتلاف، فإذا رفعت النظر إليها خيل إليك أنك في يوم عرس تبارت فيه الكواعب الحسان، من كل مكحولة العين وكل مخضوبة البنان.
وإن كنت قد غشيت دار الآثار العربية فاقتطفت نظرة من تلك القناديل الزجاجية التي خلفها الفن الفاطمي، فإنك ولا شك ستتخيل أن هذه القناديل قد صيغت من الجوهر قرطا، وأرسلت في هذا السقف حلية ونظمت فيه سمطا.
وأما تلك السقوف التي قامت على حواشي البهو، فقد قسموها مربعات أيضا، بحيث يتناهى عرض كل مربع إلى مدى ما بين العمودين، وأجروها كلها على الطراز العربي، فحدث ما شئت بلسان الذوق الجديد عن جمال الفن القديم، فبعد أن أبدعت الصناع في حفرها وتكريشها طوعا للأشكال الهندسية المقسومة لها، عادت عليها تكفتها بالفضة، وتموهها بالذهب، وتشجرها بأزهى الألوان، من أخضر ناضر وأصفر فاقع وأحمر قان.
والعجب أن لكل رقعة من رقاع تلك السقوف رسما خاصا، تجري فيه ألوان خاصة، في أشكال خاصة، وكلها مع هذا عربي، لا تدري أيها أجمل وأحسن، وأيها أبدع وأفتن، فلا يسعك أن تنصرف عنها إلا وأنت تردد قول شوقي:
حمراء أو صفراء إن كريمها
كالغيد كل مليحة بمذاق
وقد فصل بين حواشي البهو وبين بهرته بحجاز قائم على مسامته تلك العمد يرتفع إلى نصف القامة، ليقوم عمال المصرف من خلفه على قضاء حاجات الناس دون أن يداخلوهم، وهذا الحجاز كله قد اتخذوه من المرمر الأبيض، نحت على صورة أنصاف دوائر بارزة متجاورة، تقوم أطرافها على سوق من المرمر الأسود، وقد بسطت عليها مناضد صفيقة من المرمر الأصفر، مدت في داخل حواشي البهو مهادا لأسباب عمال المصرف، ومتكأ لأذرعة المتمثلين إليهم من الناس.
ومن فوق هذا السقف طبق آخر، له ما للأول من دقة فن وروعة جمال، وهو يشرف على بهرة الإيوان من أقطارها الأربعة، وترى من فوق كل عمود من تلك العمد المربعة التي حدثتك عنها عمودا أسطوانيا قد أحسنت يد النحات في قاعدته وهامته أيما إحسان، وافتنت في نقشها أيما افتنان.
أما أرض الإيوان فإذا لم يحدثك أحد أنها من الرخام، فقد خلتها فرشت بجلود الصلال،
8
अज्ञात पृष्ठ