2
بالية، تفرقت فتوقا وخروقا، وتفصلت مزوقا وشقوقا، تكشف من البدن أكثر مما تداري، وتفضح من السوأة أعظم مما تواري، على أن القذر قد أضفى عليه رداء محكم النسج متلاحم الأجزاء، وناهيك برداء القذر من رداء!
ليت شعري، أهذا شبح من أشباح الظلام، أم هو طيف من أطياف الأحلام؛ تنكرها الأيدي وإن تراءت للعيون، وتريك ما لا تظن أن يكون كيف يكون!
ها هو ذا يثب من ها هنا، ويقفز من ها هنا، لا يقر له على الأرض قرار، كأنما هو كرة تتقاذفها الأقدار، سواد الليل وبياض النهار!
ها هو ذا دائم الاختلاج عن يمينك وعن شمالك، حتى يشتت شمل طرفك، ثم إذا هو قد امحى كيف تمحي الأشباح، إذا أشرقت شمس الصباح.
ها هو ذا يرتصد للكسرة بين يديك إن كنت آكلا، ولعقب «السيجارة» تلقيه إن كنت مدخنا، وقد يأخذ عينه لقى
3
من فضالة الطعام خسيس، قد يعافه الغراب، وتعف عنه الكلاب، فإذا هو قد ارتج ارتجاجا، وكان يسيل اضطرابا واختلاجا، وجعل بصره يدور في كل ناحية، مترقبا سطوة القدر بكل داهية، ثم انقض على فريسته انقضاض العقاب، وطار بها حتى اختفى في السحاب!
هو دائم الخوف، متصل الفزع، يخاف من كل شيء، ويفزع حتى من لا شيء، يتوقع الأذى من كل إنسان، ويترقب البطش به أنى كان، كل ما في هذه الدنيا ساهر على إيذائه، جاهد في كيده وبلائه، فكيف له في هذه الدنيا بالقرار، وهل أمسى له من الأذى معاذ إلا بطول الفرار؟ حقا لقد باتت حاله شرا من حال من عنى الشاعر:
وضاقت الأرض حتى إن هاربهم
अज्ञात पृष्ठ