ولست أشك يا سيدي، في أنك إذ كنت تصوغ هذا السؤال قد قدرت الفرق الواسع بين تمني أن لو لم يكن الولد، وتمني هلكه بعد أن قد كان، فاعلم إذن أنه ما يشبه لهذه المنية إلا غلوه في حبه، والرقة له، والشفقة به مما يلقى أو مما عسى أن يلقى في هذه الحياة من علل وأسقام، ومن برح ومن آلام، على أنه وقد خرج إلى الدنيا فلا يكون له من أبيه إلا ما جلوت عليك بعضه في هذا الحديث، فلقد تعاصى علي أجله. •••
وبعد، فما أراني بعد هذا كله بلغتك ما تحب ولا جليلا مما تحب، بل إني لأخشى ألا أكون قد بلغتك شيئا أبدا! على أنني أدلك على من يستطيع أن يصف لك ما استوصفت في أوضح صورة وأدق تعبير، حتى يتهيأ لك أن تتذوق حب الولد في جميع صوره وأشكاله، وليس يجشمك طلب هذا إلا أن تسرع فتبني
2
عسى أن ترزق أولادا، فهؤلاء الأولاد وحدهم هم الذين يستطيعون أن يجيبوك إلى ما سألت أبرع إجابة، ويصوروا لك هذا الحب أصدق تصوير!
الطفل ملك صغير
بل هو ملك كبير، بل هو أعظم الملوك شأنا، وأقواهم سلطانا، مملكته منيعة لا تقلقها جارة، ولا يزعجها عدو بغارة، وهو مطلق الأمر في حكمه لا يقيده قيد ، ولا يحد من سلطانه حد، ولا تشركه في تصريف الأمر يد، ولا يقوم بإزاء أيده قوة ولا أيد،
1
نافذ حكمه كيف حكم، متقبل قضاؤه مهما ظلم، لا معقب لمراده، ولا مراجع له في إصداره ولا إيراده، يأمر فلا يرى إلا مطيعا، ما يجشم في أمره قولا ولا توقيعا، ففي إشارته الكفاية، وبالإيماءة يبلغ الغاية، فإذا هو تكبر على الإشارة، وتعالى على الإيماءة، أسرعت الرعية
2
إلى تفقد مبتغاه، وتحسس معناه،
अज्ञात पृष्ठ