وإذا كنت كذلك فسأعرف بعد كيف أقدم وأترجم وأعمل، وبحيث أن الحياة تتأرجح بين الخير والشر، بين الفضيلة والرذيلة، وبين ما يجذبها إلى الحضيض والوحل، وبين ما يرقى بها إلى السماء، رغم اختلاف أشكال المغريات، ورغم تعدد أسماء الشياطين، وأسماء المصلحين، ومع ذلك فالنفس جبلها الله عز وجل وألهمها فجورها وتقواها، فالعودة إلى علمائنا وأمجادنا ، وإلى علومهم وتراثهم، وإلى الإستمساك بهم وإبراز موالاتهم ومودتهم، وإظهار متابعتهم، ومعاداة أعدائهم، مع الإحساس بواقعنا، والنظر في مستقبلنا، من أوجب الواجبات، وأفضل القربات، سيما في هذا الزمن الموحش الذي تظافرت وتظاهرت وتكتلت فيه على الزيدية بعقائدها وعلمائها وأعلامها فرق متعددة سالكة غير نهج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فنهجه في أهل بيته وفي علومهم ومبادئهم معروف لدى أهل البصائر ، تجمعت وتظاهرت هذه الفرق علينا كتجمع الذباب على حلو الطعام، {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد}[البروج:8] {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم}[الصف:8] {الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا(104)}[الكهف]، ومن أوجب الواجبات الشرعية العقلية شكر نعم الله عز وجل، فهو تعالى قد أنعم علينا بنعم عظيمة، فرض وأوجب علينا طلب العلم حيث يقول على لسان رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((طلب العلم فريضة ...إلخ)) ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ((اطلبوا العلم ولو في الصين))، وقال الله تعالى : {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون }[التوبة:122] ويقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - : ((إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم)) أو كما قال، وغير ذلك كثير ، وقد أنعم الله علينا وخصنا تعالى بخصائص عظيمة ، منها أن خلقنا في الأرض المباركة يمن الإيمان والحكمة، قال -صلى الله عليه وآله وسلم- : ((اللهم بارك لنا في يمننا))، وقال -صلى الله عليه وآله وسلم- : ((الإيمان يمان والحكمة يمانية))، وجلعنا في قبة الإسلام صعدة المشرفة، منبع الأئمة، وعاصمة العلم والعلماء الزيدية، ومستقر الشيعة، لانحتاج إلى أن تنفر منا فرق لتتفقه في الدين ولا أن نرحل لطلب العلم ولو إلى الصين، ولا أن نبحث لمن نأخذ علمنا وديننا منه، فها هم ذرية رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ذراري الأنبياء وسلالات الأوصياء حملة علوم النبي والوصي، وقرناء القرآن، والدعاة إلى الرحمن؛ هاهم بين أظهرنا باذلون أنفسهم وأوقاتهم وراحتهم في تعليمنا، أليست هذه أكبر النعم وأجلها وأولاها بالشكر العظيم ؟ فكيف بمن يقابل هذه النعم بمعاداة أهل البيت(ع)، والتثبيط عنهم ، والتنفير منهم، والإستخفاف بهم، وتغيير وتحريف مؤلفاتهم، وقد جعلنا الله تعالى -إن استجبنا لندائه - أحبته وأثنى علينا ثناء عظيما حيث يقول في آيات الولاية لأمير المؤمنين:{أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم}[المائدة:54].
पृष्ठ 14