أشار بذلك الرأي بما أرشدنا ع الله إليه من تقديم ما يرجي به شفاء مزاج العالم من الأدواء ، وتأخير ما يجب أن يكون آخر الدواء . وإننا لا نحب المسارعة إلى هز النصال للنضال إلا بعد إيضاح المحجة ، ولا تأذن لها إلا بعد تبيين الحق ، وتركيب الحجة . وقوي عزمنا [ على ] ما رأيناه من دواعي الصلاح ، وتنفيذ ما ظهر لنا به وجد النجاح ، إذكار شيخ الإسلام ، قدوة العارفين كمال الدين عبد الرحمن الذي هو نعم العون لنا في أمور الدين ، فأصدرناه رحمة من الله لمن دعاه ، ونقمة على من أعرض عنه وعصاه ، وأنفذنا أقضي القضاة ، قطب الملة والدين ، والأتابك بهاء الدين ، اللذين هما من ثقات هذه الدولة الزاهرة إيعرقاهم طريقتنا ، ويتحقق عندهم ما تنطوي عليه لعموم المسلمين جميل نيتنا ، وبينا لهم أنا من الله على بصيرة ، وأن الإسلام يجب ما قبله ، وإنه تعالى ألقى في قلوبنا أن نتبع الحق وأهله ، ويشاهدون عظيم نعمة الله على الكافة بما دعانا إليه من تقديم أسباب الإحسان ، ولا يحرموها بالنظر إلى سالف الأحوال ، فكل يوم هو في شأن ، فإن تطلعت نفوسهم إلى دليل ستحكم بسببه دواعي الاستاد ، وحجة يثقون بها من بلوغ المراد ، فلينظروا إلى ما ظهر من أثرنا مما اشتهر خبره ، وعم أثره . فإنا ابتدأنا بتوفيق الله تعالى بإعلاء أعلام الدين وإظهاره في إيراد كل أمر ، وإصداره تقديما وإقامة النواميس الشرع المحمدي على مقتضى قانون العدل الأحمدي إجلالا وتعظيما . وأدخلنا السرور على قلوب الجمهور ، وعفونا عن كل من اجترح سيئة أو اقترف ، وقابلناه بالصفح ، وقلنا : هر عفا الله عما سلف هو ؛ وتقدمنا بإصلاح أمور أوقاف المسلمين من المساجد والمشاهد والمدارس ، وعمارة بقاع البر والبط الدوارس ، وإيصال حاصلها بموجب عوائدها القديمة إلى مستحقها بشروط واقفها ، ومنعنا أن يلتمس شيء مما استحاث عليها ، وأن لا يغير أحد شيئا مما قرر أولا فيها ، وأمرنا بتعظيم أمر الحاج ، وتجهيز وفدها وتأمين سبلها ، وتسيير قوافلها . وإنا أطلقنا سبيل التجار المترددين إلى تلك البلاد ، ليسافروا بحسب اختيارهم على أحسن قواعدهم ، وحرمنا على العساكر والقراغول والشحاني في الأطراف ، التعرض بهم في مصادرهم ومواردهم . وقد كان قراغوانا صادف جاسوسا في زى الفقراء كان سبيل مثله أن يهلك ، فلم يهرق دمه لخرمة ما حرمه الله تعالى ، وأعدناه إليهم ؛ ولا يخفى عليهم ما كان في إنفاذ الجواسيس من الضرر العام للمسلمين ، فإن عساكرنا طالما رأوهم في زى الفقراء والاك وأهل الصلاح ، فساءت ظنونهم في تلك الطوائف ، فقتلوا منهم من قتلوا ، وفعلوا بهم ما فعلوا ، وارتفعت الحاجة بحمد الله إلى ذلك بما صدر إذننا به من فتح الطريق ، وتردد التجار وغيرهم ، فإذا أمعنوا الفكر في هذه الأمور وأمثالها لا يخفى عنهم أنها أخلاق جبلية طبيعية ، وعن شوائب التكلف والتصنع عربية . وإذا كانت الحال على ذلك ، فقد ارتفعت دواعي المضرة التي كانت موجبة المخالفة ، فإنها إن كانت بطريق الدين والذب عن حوزة المسلمين ، فقد ظهر بفضل الله تعالى في دولتنا النور المبين ، وإن كانت لما سبق من الأسباب ، فمن تحري الآن طريق الصواب ، فإن له عندنا الولفي رسن المآب ، وقد رفعنا الحجاب ، وأتينا بفصل الخطاب ، وعرفناهم ما عزمنا عليه بنية خالصة لله تعالى على استئنافها ، وكمنا على جميع عساكرنا العمل بخلافها لنرضى بها الله والرسول ، وتلوح على صفحاتها آثار الإقبال والقبول ، وتستريح من اختلاف الكلمة هذه الأمة ، وينجلى بنور الائتلاف ظلمة الاختلاف والتميمة ، وتسكن في سابغ ظلها البوادي والحواضر ، وتقر القلوب التي بلغت من الجهد الحناجر ، ويعفي عن سائر الهنات والجرائر . فإن وفق الله سلطان مصر لاختيار ما فيه صلاح العالم وانتظام أمور بني آدم ، فقد وجب عليه التمسك بالعروة الوثقي ، وسلوك الطريقة المثلى بفتح أبواب الطاعة والاتحاد ، وبذل الإخلاص بحيث تنعمر تلك الممالك والبلاد ، وتسكن الفتنة الثائرة ، وتغمد السيوف الباترة ، وتحل العامة أرض الهويني وروض المدون ، وتخلص رقاب المسلمين من أغلال الذل والهون ؛ وإن غلب سوء الظن بما تفضل به واهب الرحمة ، ومنع معرفة قدر هذه النعمة ، فقد شكر الله مساعينا ، وأبلى محذرنا ، و وما كنا مع بين حتى تبعث ولا ه ؛ والله الموفق للرشاد والسداد ، وهو المهيمن على البلاد والعباد ، وحسبنا الله وحده .
[ ذكر نسخة جواب السلطان الصادر إليه ]
المنصور ، كلام قلاون إلى السلطان أحمد .
पृष्ठ 78