मुख़ायलात खंदरीस
مخيلة الخندريس: ومن الذي يخاف عثمان بشري؟
शैलियों
أيضا لا أظن أن بالأمر مشكلة ما، لكنها أكدت لنفسها - أنا أحاول أن أتذكر جملتها بالنص: سأحصل عليه مهما كلفني ذلك: بالحلال، بالحرام، بالحسنى، بالقوة، بأي طريقة كانت! سيبدو الأمر أيضا عاديا لولا أنها قررت بينها وبين نفسها، في حال فشلها في اصطيادي، أنها سوف لا تتجرأ في أن تستخدم ضدي أعظم سلطة أعطيت للمرأة، وهي السلطة التي سجد لها إبليس - حدث ذلك سرا قبل أعوام كثيرة، وكنت أحد شهود العيان - الذي رفض أن يسجد لآدم من قبل: سلطة الجسد.
أول ما التقينا، بعد مكالمات كثيرة، في الخرطوم عند بيت أختها الكبرى بأم درمان، على بعد أمتار قليلة من مبنى المحلية. كعادة أم درمان في أوائل فصل الشتاء، كان اليوم مغبرا، تدور الأتربة في شكل دوامات صغيرة، نسميها نحن في القرى: صفارة الشيطان، فتحمل معها الأوراق، أكياس البلاستيك الفارغة، والأتربة المكدسة على جوانب الطريق، المبعثرة على الأسفلت. تحمل كل شيء وتعيد توزيعه: على وجوه الناس، العربات الفارهة، أسطح المنازل، أسفلت آخر، وكل ما يلتقي به الإعصار الصغير. كنت نظيفا أنيقا، كأنني في موعد غرام، لولا أن صادفتني صفارة الشيطان فور هبوطي من الحافلة، ملأت فمي بحفنة من الغبار المشحون بوسخ المدينة وأمراضها، دخلت مطعما قريبا غسلت وجهي. طرقت الباب، عرفتها مباشرة، كانت ترتدي فستانا قصيرا جميلا مرقطا مثل جلد النمر، يظهر ساقين جميلتين بل مدهشتين، لم تحدثني عنهما بالتلفون إطلاقا، على الرغم من أنها حدثتني عن أشياء أقل قيمة عندي، مثل عينيها. أنا أحب العطر، أحب أن أشمه في المرأة، عبر كل مسام جسدي المنغلقة بالغبار الأم درماني، تسلل عطرها إلى مجرى دمي. كان صدرها معمولا بحيث ينتفض معلنا عن أنثى مثيرة، أعدت نفسها لتقتلني بالدهشة والشبق، ألا يكون لدي حل آخر غير الإعجاب بها، وأنا أرمل في منتصف عمره، رقيق القلب مل الكتب وصرير الأقلام؟! هذا ما حدث، أخذت بجسدها، احتضنتني برقة وحميمية؛ مما أكد لي أنه لا يوجد شخص مضجر في هذه اللحظة بالمنزل. في الصالون الأنيق، بعد لحظات قلائل لدخولي قدمت لي زوج أختها، ثم أختها، ثم أمها، ثم انسحب الجميع. ثم مضيت أنا أيضا أخوض في أغبرة أم درمان، تسلمني صفارة شيطان لأخرى. وكان يغمرني إحساس واحد ساخن وعنيد: تلك المهرة لي، سأحصل عليها مهما كلفني ذلك: بالحلال، بالحرام، بالحسنى، بالقوة، بأي طريقة كانت!
إذا شئت أن أحدثكم عن عبد الباقي صديقي، هو شخص في واقع الأمر - أي خارج هذا النص - له شخصية مختلفة، لا أعني أن شخصيته أفضل أو أسوأ، هذا ليس من اختصاصي ولا اختصاص الرواية، كما أن المثالية العالية، التي ظهر بها هنا، هي مثالية مبالغ فيها كثيرا بالنسبة لشخص لا يؤمن في الواقع بغير طموحه الذاتي المتمثل في المعرفة. وهو أيضا تقي ومتدين وله بعض الميول الصوفية الواضحة. كما يرجى وينتظر من شخص مثله أن يكون محبا للشعر والنساء. هو أيضا أعزب ولا ينوي الزواج قريبا ما لم يتحصل على عمل ثابت بدخل معقول وزوجة تعمل في وظيفة ما: امرأة لا يشترط فيها أن تكون جميلة بصورة قاطعة في ملامحها الخارجية، لا يقترح لها لونا محددا، لا وزنا ولا عينين تشبهان شيئا ما. يريدها متعلمة وتخرجت في جامعة ما، طيبة، تحترم أمه كبيرة السن، تقبل أن تقيم معها في البيت. بإمكانها أن تنجب أكبر عدد ممكن من الأطفال، ليست تماما مثل أمه التي أنجبت أربعة عشر طفلة وطفلا، لكن امرأة تنجب وسعها. لا يكفر بقا بما يسمى تنظيم النسل أو التخطيط الإنجابي، يؤمن بأن كل طفل سيولد برزقه. لكن الشرط الأهم، أنه لا يمتلك مالا للشيلة أو مهرا أو ما ينفقه للولائم والضيوف. كل ما يستطيع أن يقدمه لها هو الاحترام المتبادل، ماء حيويا طازجا، يضيف: الصبر عليها في السراء والضراء. قلت له: إن معظم النساء اللائي نعرفهن بهذه المواصفات، ويقبلن بشروطه تلك.
قال في جد: إذن، أنت لم تفهمني يا صديق!
ظل عازفا عن الزواج إلى اليوم. أريد أيضا أن أقدم اعتذارا خاصا للأستاذة حكمة رابح، التي تم ذكر اسمها عدة مرات في هذه الرواية، لكنها لم تنل دورا كبيرا يليق بمكانتها الطبيعية خارج الرواية أو على الأقل بمكانتها عندي. فهي صديقة عزيزة لي، ولزوجتي سابقا وأطفالنا أيضا أصدقاء، ودرسنا معا بكلية الآداب جامعة أسيوط بجمهورية مصر العربية. هي فلسطينية من ناحية الأب، مصرية من ناحية الأم، تحمل الجنسيتين. التقينا بعد ذلك كثيرا في القاهرة، عمان وفرانكفورت. أحيانا صدفة، أحيانا بتدبير متعمد من أطفالنا، فزوجها متوفى، زوجتي أيضا متوفاة. لها بنت وولد، ولي ولدان وبنت اسمها مريم. أنا تفصلني شهور قلائل عن الخمسين، هي في العام القادم سيصبح عمرها ثمانية وأربعين عاما. حكمة رابح نوع المرأة التي تجذبك بطريقة لبسها أولا، ثم عندما تكتشف أن بعينيها غربة وسحرا، وتكسبك تماما إلى صفها إذا حدثتك. جمعتنا في الماضي الجامعة، ثم موت الزوجين، ثم العلاقة الجميلة التي بدأت تنمو بين أطفالنا . أما ما يجعلنا مختلفين لكن بمحبة هو إشكاليات الهوية، حيث كان يغيظها جدا أن أعلن لها كلما دعا الأمر أنني كاتب سوداني أكتب باللغة العربية، ولست كاتبا عربيا؛ لأنني ببساطة لا طاقة لي أن أتحمل الإرث العربي الثقيل، بدءا بحروب البسوس، داحس والغبراء، انتهاء بالحروبات العربية الإسرائيلية ومآلات القضية الفلسطينية، مرورا بتفجيرات سبتمبر، حرب دارفور، احتلال العراق، معارك جبال النوبة، النيل الأزرق، وما سوف يلي هذا وذاك. وأرى بصورة واضحة وجلية أن دخول السودان للجامعة العربية ما هو إلا ورطة حاكها السيد جمال عبد الناصر لأغراض تخص الأمن القومي المصري لا أكثر، وهي الآن تؤجج الصراع السوداني السوداني القائم على اختلاف المفاهيم في مسألة الهوية؛ أي تم حسم المسألة دون استطلاع لآراء الشعوب السودانية ... هذا كله لا يهم. لولا أنني في ذلك الحين كنت أرتبط بعلاقة جادة مع سلوى عبد الله؛ لتزوجت حكمة رابح في عيد ميلادها الخامس والأربعين، فقد كانت المرأة الصحيحة لي، وأنا أكثر ما يناسبها من رجال، ذلك حسب قولها؛ لذا ظللنا أصدقاء على خلفية باهتة من المحبة وظلال الاشتهاء. الشخصية الأخرى التي لا تختلف في واقعها كثيرا عما هي في الرواية، بل يكاد أن يتطابق السردي فيها مع الواقعي، هي شخصية الشاعر عثمان بشرى. ربما الاختلاف الوحيد بين الشخصيتين أن عثمان بشرى الحقيقي لا يكتب الشعر أو الرواية أو أيا من أصناف الأدب، له اهتمامات بالتصميم الهندسي والفن التشكيلي. أسوأ ما فيه ليست مسألة السكر، لكن سعيه الدءوب نحو التغيير بأي صورة كانت! هذا ما يجعله كل ستة أشهر ينتمي لحزب سياسي مختلف. وهو الآن ترك كل شيء وانضم لجيش التحرير الوطني بإحدى صحاري دارفور: نصف إسلامي، نصف علماني ومجنون كامل! يتصل بي من وقت لآخر، يسأل عن أمه وبعض أقاربه.
الفكي المتشرد رجل تعرفت عليه بينما كنت أعمل في منظمة بلان سودان بمدينة خشم القرية. رجل يعاني من شلل الأطفال في رجله اليسرى، لكنها تعيقه من المشي بصورة مرعبة، مؤثرة على رجله الأخرى السليمة، بل أصبح جسده كله مائلا لجهة اليمين - «أفكاره تميل دائما لليسار» - حتى فمه وأنفه وعيناه، وكتفه يميل كثيرا إلى جهة اليمين، كأنه يضع عليه حملا ثقيلا يجذبه للأسفل. بهذا الشكل الغريب غير المألوف، يعمد دائما على البقاء في المنزل ولا يخرج إلا للضرورة القصوى؛ لذا يحتفظ في حجرته الصغيرة بعدد من الحجارة الرخامية الملساء، كل منها يمثل أحد أصدقائه الحميمين، من بينهم حجر كبير أسود: هو أنا. لهذا الفقيه المتشرد - أنا الذي أطلقت عليه هذا اللقب، فاسمه الحقيقي الطيب أوهاج - عادة غريبة، فهو عندما يغضب من أحد أصدقائه لأي سبب كان، مهما كان بسيطا تافها، فإنه يعاقب صديقه بالبول عليه. إذا كان غضبه كبيرا جدا، قد يغوط عليه مرارا وتكرارا ... كم هي الحجارة الملوثة ببوله وبرازه مرمية خلف حجرته الصغيرة! أما إذا تشهى إحدى صديقاته فلا محالة أنه يستمني عليها، ويترك سائله هنالك إلى أن تيبسه الشمس الحارقة. يعجبني فيه أنه لا ينسى أي حدث مر به، أو كلاما سمعه، أو أحد أصدقائه مهما أساء إليه. كان دائما ما يشكو لي من ذاكرته: إنها تؤلمني، إنها مليئة بكل شيء، الصالح والطالح، أحس بها ستنفجر في يوم ما، أريد أن أنسى. كان يكثر من شرب العرق إلى أن يغمى عليه من السكر، لا يمكنك أن تكرمه إذا لم توفر له بعض زجاجات العرق البكر. ورث عن أبيه مالا كثيرا، لديه أختان ثريتان جميلتان.
حسنا، فلننظر لشخصية أخرى، السيدة نونو التي ظهرت في ذاكرة الخندريس كزوجة أو ما شابه ذلك للفكي المتشرد. هي سيدة أيضا عادية، كل ما أذكره منها فعلتها تلك التي كررتها في فصل منطق الجسد. لا أدري أين هي الآن وماذا تفعل، لكن سمعت بعض قريباتي يتحدثن عن ابنة لها تزوجت وأنجبت أطفالا في إحدى قرى مدينة القضارف.
أما التوءم، فأنا أدين لهما باعتذار بالغ، لقد استخدمتهما فيما سبق في روايتي «الجنقو مسامير الأرض»، باسمي عبد الرازق وعبد الرزاق. كثيرون منكم يذكرون ذلك. واسماهما الصحيحان هما: حسن وحسين، أصدقاء طفولتي في مدينة القضارف. في الحقيقة هما أعداء طفولتي، كلما أحاول أن أتخلص من ذكراهما بكتابتهما، يقفزان مرة أخرى إلى وعيي. لم تكن علاقتي معهما حسنة، كانا يجيدان المصارعة والرمي بالحجارة، وكل فنون القتال الصغيرة التي تناسب أعمارنا؛ لذا دائما ما كنت أخرج من معركتي الصغيرة ضدهما مهزوما ويسيل الدم من رأسي ومنخري. كانا لا ينهزمان ولا يكفان عن الشجار بل يفتعلانه، ولم أستطع طوال فترة طفولتي أن أبتكر وسيلة تحميني منهما. - الهرب؟!
كانا مثل صاروخين من الريح، يدركاني دائما قبل أن أقترب من باب بيتنا بمسافة كافية تفصلني عن كل سبل النجدة المحتملة. - العض؟!
يمتلكان أسنان سمكة قرش وأظافر قطط، ويردان لعضتي بقرمتين من لحم الكتفين، كل بجهة. - الصراخ؟!
अज्ञात पृष्ठ