31 - وحدثني أحمد بن أبي عمران الفقيه، أن ابن الثلجي حدثه، أن بشرا المريسي -وكان متزهدا- قال:
((ما اشتهيت من مراتب السلطان إلا مرتبة رأيت أبا يوسف بلغها في عشية من العشايا. كنت اجتزت به مسلما عليه، فقال لي: ((تقيم عندي العشية لنتناظر في طائفة من العلم؟)). فإني لجالس عنده -وقد ابتدأ فيما أثرناه- حتى وافى إليه رسول أمير المؤمنين الرشيد، فقال لي: ((انتظرني))، ومضى؟ فغاب عني مقدار ساعتين، ورجع، وخلفه غلمان يحملون مالا، فوضعوه بين يديه وانصرفوا فقال: ((دفعت الليلة إلى عجائب!))، قلت: ((ما هي؟))، قال: ((دخلت إلى دار أمير #53# المؤمنين، فانتهى بي رسوله إلى ستر مسبل على باب، مسرور الكبير يمسكه، فقال لي: ((سلم على أمير المؤمنين!))، فسلمت، فقال: ((وعليك [السلام] يا يعقوب! ادخل وحدك))، فرفع الستر حتى دخلت، فألفيت عنده محمد بن جعفر بن المنصور -مولى الجارية المعروفة ببذل- ووجه كل واحد منهما محول عن صاحبه، وبين يدي الرشيد سيف مشهور.
فقال لي: ((يا يعقوب! هذا الرجل يديرني مذ الظهر على قتله!))، فقال له: ((ترضى به حكما بيننا؟))، قال: ((نعم!))، قال: ((ألق هذا السيف من يدك، وارض بالحق لك وعليك)). واستدارا جميعا حتى جلسا مجلس الخصوم بين يدي.
ثم قال الرجل: ((سألني أمير المؤمنين أن أبيعه جارية علي فيها أيمان محرجة لا كفارة لها، ألا أبيعها ولا أهبها))، قال فقلت له: ((فتسمح بها لأمير المؤمنين إن أخرجتك من يمينك))، قال: ((إي والله! وإن ذلك لسهل علي))، فقلت: ((هب لي نصفها، وبعه نصفها)). فقال: ((قد أجبت، وجعلت ثمن النصف هدية لك)). وتعانقا جميعا، وانصرفت إليك، ولحقني هذا المال)). فوجدنا المال المحمول خمسة وعشرين ألفا، فقلت في نفسي: ((أحيا نفسا، وأصلح بين خليفة وابن عمه في مقدار ساعتين من النهار!)).
قال بشر: ((فوالله ما فرغنا من صلاة المغرب حتى ابتدرنا الغلمان يحملون مالا وبزا وطيبا، ومعهم جارية حصيفة، فقالت: ((تقرأ عليك السلام سيدتي وتقول لك: ((أجازني سيدي أمير المؤمنين بما حملته إليك، فجعلته ثواب الفتيا التي كانت سبب وصولي إليه)).
فكان المال منه خمسة وعشرين ألفا)).
पृष्ठ 52