मुजमल तारीख दमयात
مجمل تاريخ دمياط : سياسيا واقتصاديا
शैलियों
وظلت العناية بدمياط وتنيس دائبة مستمرة حتى آخر سنة من حياة صلاح الدين، ففي سنة 588 - أي قبل وفاته بسنة واحدة - صدر الأمر بإخلاء تنيس ونقل أهلها إلى دمياط، فخلت تنيس إلا من المقاتلة، كما صدر الأمر بحفر خندق حول دمياط وعمل جسر عند سلسلة البرج بها.
هذه هي دمياط حتى آخر عهد صلاح الدين، قد عني بتحصينها العناية الفائقة فحفر حولها خندق يحميها، ورممت أسوارها ترميما شاملا، وبني بها برج جديد، وجددت سلسلتها، وبني عندها جسر لحمايتها، وشدت إليها السفن لتقاتل عنها المغيرين، وشحنت هذه الحصون جميعا بالمقاتلة، وزيد عددهم، وزادت النفقة عليهم.
ولم تنقطع العناية بدمياط في عهد خلفاء صلاح الدين، بل استمرت وزادت، فالمؤرخون يروون أن العزيز بن صلاح الدين، عزم في ذي الحجة من سنة 592 (أكتوبر 1195) «على نقض الأهرام ونقل حجارتها إلى سور دمياط، فقيل له: إن المئونة تعظم في هدمها والفائدة تقل من حجرها، فانتقل رأيه من الهرمين إلى الهرم الصغير وهو مبني بالحجارة الصوان، فشرع في هدمه.» ولكن هؤلاء المؤرخين لم يذكروا بعد هذا هل نقلت حجارة هذا الهرم الصغير فعلا لتحصين سور دمياط أو أنها استخدمت في أغراض أخرى.
وفي عهد العادل أبي بكر - أخي صلاح الدين - أرسل في سنة 599 - وهو بالشام - جندا من رجالها لحفظ دمياط من الفرنج. (4-2) في عهد الملك الكامل محمد
وفي أواخر عهد الملك العادل أبي بكر أصاب الحروب الصليبية انقلاب جديد خطير؛ فقد لاحظ الصليبيون أن مصر هي حصن الإسلام القوي وضيعته الغنية، وأنها مصدر الأمداد القوية الوفيرة من الرجال والميرة والسلاح، وبفضل هذا كله استطاع صلاح الدين أن ينتصر عليهم انتصاراته الحاسمة، ويستعيد منهم بيت المقدس والكرك والشوبك وغيرها من عشرات المدن والقرى؛ لهذا كله قر رأيهم على أن يبدءوا بمصر، فإذا استولوا عليها فقد سهل عليهم كل شيء، واستطاعوا في يسر أن يستعيدوا بيت المقدس، بل ويملكوا الشام كله.
بدءوا هذا الاتجاه في سنة 615 / 1218م والملك العادل يناضلهم في الشام، وفي مصر ابنه الملك الكامل محمد ينوب عنه في الحكم.
واتخذ الصليبيون لهذا الأمر عدته، ووصلتهم الأمداد الوفيرة من ممالك أوروبا المختلفة، فلما تكامل عددهم أبحروا - بقيادة جان دي بريين ملك بيت المقدس - من عكا إلى دمياط في أسطول ضخم كثير العدد يحمل نحو السبعين ألف فارس وأربعمائة ألف رجل، ووصلوا إلى شواطئ دمياط، ونزلوا ببرها الغربي يوم الثلاثاء رابع ربيع الأول من سنة 615 (يونيو 1218م)، وكان هذا البر الغربي يسمى جزيرة دمياط وهي تسمية مجازية لأن مياه البحر تحيط به شمالا، ومياه النيل تحيط به شرقا، كما كان يسمى أيضا جيزة دمياط، والجيزة في اللغة الناحية، أو لعله سمي كذلك لأنه يجاز إليه من دمياط.
وعسكر الصليبيون في جموعهم الحاشدة بهذا البر الغربي تجاه دمياط وحصنوا معسكرهم، فحفروا حوله خندقا وأحاطوه بسور وستائر.
وكانت دمياط - كما سبق أن أسلفنا - مدينة حصينة غاية الحصانة تحيط بها الأسوار والقلاع والأبراج القوية الضخمة، ويحيط بهذه الأسوار الخندق الذي أنشئ في أواخر عهد صلاح الدين، وكان عند مدخل فرع دمياط برج ضخم مشحون بالمقاتلة والسلاسل الحديد المتينة تمتد منه إلى برج مقابل على شاطئ دمياط لمنع سفن العدو من العبور في النيل والوصول إلى المدينة، وكان هذا البرج هو مفتاح دمياط، لا يمكن للصليبيين الوصول إليها إلا إذا استولوا عليه؛ ولهذا توفرت جهودهم كلها في أول الأمر للاستيلاء على هذا البرج المنيع، واستعانوا لتحقيق هذا الهدف ببناء أبراج خشبية عالية أقاموها على سفنهم وتقدموا بها إلى البرج لمحاربة جنده وحاميته، ولكن هؤلاء الجند استطاعوا أن يردوهم أكثر من مرة.
الفرنج ينزلون بدمياط في عهد الملك الكامل.
अज्ञात पृष्ठ