فكيف يصح مع هذا نقل ما نقل إليكم من ألفاظ التوراة وغير التوراة حتى تتيقنوا أنه لا زيادة فيه ولا نقصان؟ فإن قالوا: إن العزيز كان ممن سباه بختنصر من صبيان بني إسرائيل، فجدد الله عز وجل به التوراة؛ بأن ألهمه إياها، حتى كتبها على هيئتها بعد غلبة بختنصر، وخراب بيت المقدس، قلنا: وأي جماعة دونت لكم ذلك عن العزيز، وحفظت عنه، واستفاض منها؟ أوليس المحفوظ من أهل المعرفة بالتواريخ أن إلهام الله العزيز التوراة إنما كان في آخر عمره وعند وفاته؟ وأنه لما كتبها اشتكى شكيته التي مات منها، ودفعها إلى تلميذ من تلاميذه، وأمره أن يقرأها على الناس بعد وفاته، فعن ذلك التلميذ أخذها الناس ودونوها، وزعموا أن ذلك التلميذ هو الذي أفسد أشياء من التوراة وحرفها، وزاد فيها، ونقص منها، فما كان هذا سبيله، وهذا قول أهل الأخبار فيه، فكيف يجوز لكم الثقة به والرجوع إليه. وبعد فإن ألفاظ التوراة شاهدة بأنها من تأليف لسان إنسان بعد موسى عليه السلام (¬1) ، يخبر بما كان من أمر موت موسى عليه السلام، وعهده إلى يوشع بن نون (¬2) ،
¬__________
(¬1) راجع ما كتبه ابن حزم في كتابه الفصل في الملل والأهواء والنحل "كيف حرفت التوراة" الجزء 1: 285 بتحقيقنا، وما كتبه ديورانت في قصة الحضارة 2: 367 368، وتاريخ العالم للدكتور أحمد شلبي، ص89.
(¬2) هو يوشع بن نون من أنبياء بني إسرائيل، دعا بني إسرائيل وأخبرهم أن الله قد أمره أن يقاتل الجبارين فقاتلهم يوم الجمعة قتالا شديدا حتى غربت الشمس، فدعا الله تعالى فردت عليهم فهزمهم. (راجع الطبري 1: 227)، والملل والنحل 2: 10 نشر محمود توفيق سنة 1948م..
पृष्ठ 97