... ثم لرسول الله _صلى الله عليه وسلم_ بعد ذلك أخبار ظاهرة أخبر بها قبل كونها، وأمور غائبة لا سبيل إلى علمها إلا بوحي من الله، فكان الأمر في جميعها على ما قاله عليه السلام، فمن ذلك ما أخبر به _صلى الله عليه وسلم_: أنه أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى (¬1) ، وأنه مضى ورجع من ليلته، وجعل رسول الله يصف لهم بيت المقدس، لا يغادر من صفته شيئا، قال لهم: وآية ذلك أني مررت في طريقي بعير لبني فلان، فضل لهم بعير فدللتهم عليه، وأني مررت في طريقي بعير بني فلان والقوم نيام، فوجدت لهم إناء مملوءا قد غطوه، فشربت ما فيه، ورددت عليه غطاءه، وهي الآن تطلع عليكم من ثنية كذا، يقدمها جمل أورق (¬2) ، عليه غرارتان: إحداهما سوداء، والأخرى زرقاء، فابتدر المشركون الثنية (¬3) فوجدوا أمر البعير كما قال لهم رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، وسألوا أهل البعير عن أمر الإناء فأخبروا أنهم غطوا الإناء مملوءا، وأنهم وجدوه فارغا، ثم جاءت البعير الأخرى فسألوا أهلها عن البعير الناد (¬4) لهم فأخبروا به، كما أخبر رسول الله _صلى الله عليه وسلم_.
¬__________
(¬1) قال تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير}. (سورة الإسراء، آية رقم 1).
(¬2) جمل أورق: أي لا زال في مقتبل العمر والفتوة، وفي لونه سواد إلى بياض. وقال أبو عبيدة: الأورق أطيب الإبل لحما وأقلها شدة على العمل والسير. وأورق الشجر أخرج ورقه، قال الأصمعي: يقال (ورق) الشجر و (أورق) والألف أكثر، ورق أيضا (توريقا)، والوراقة: الشجرة الخضراء الورق الحسنة. ويقال للحمامة ورقاء لأن في لونها بياض إلى سواد.
(¬3) الثنية: واحدة (الثنايا)، وهي أيضا الطريق.
(¬4) البعير الناد: أي البعيد الذي توغل بعيدا عن القافلة.
पृष्ठ 83