356

मुजाज़

الموجز لأبي عمار عبد الكافي تخريج عميرة

وما الفرق بين الحال الأولى من حال البلوغ والحال الثانية؟ وإن كان يسعه الجهل بالله في حال من الأحوال، فقد يجب أن يسعه ذلك الحال في حال، وإن قالوا: إن المعرفة بالله واجبة عليه في أول حال بلوغه، وليس ذلك من قولهم أبطلوا ما ذهبوا إليه من الفكر؛ لأنه لا يخلو في تلك الحال من أن يكون جاهلا أو عارفا، فإن كان عارفا فما لحاجته إلى الفكر في تلك الحال، وهو فيها عارف، وإن كان جاهلا ثبت أنه لم يغن عنه فكره شيئا، إذ كان لم ينقذه من الجهل بالله عز وجل، والشك في صفته، وهو بالغ صحيح العقل حتى يفكر ويستدل، مع ما يقال لهم: أخبرونا عن المفكر في أول حال البلوغ التي هي حال الفكر، أعارف بالله (¬1) هو فيها أم جاهل؟ فإن قالوا عارف أبطلوا الفكر، وإن قالوا جاهل بالله قيل: أموحد هو أم مشرك؟ فقالوا: إن الكاف ما عليه شيء ما دام مفكرا، حتى يستدل بوجوه الاستدلالات، قيل لهم: هذا الكاف هو شاك أم غير شاك؟ أو معتقد هو أم غير معتقد؟ وما هو إن مات في حال الفكر والكف؟ أمؤمن هو أم كافر؟ أو غير مؤمن ولا كافر؟ أم من أهل الجنة هو أم من أهل النار؟ أو ليس هو من أهل الجنة ولا من أهل النار؟ فأيما أجابوا به من هذا كله بان باطلهم.

¬__________

(¬1) يقول ابن سينا: المنصرف بفكره إلى الله مستديما لشروق نور الحق في سره: يخص باسم العارف.

وإذا كان الزاهد قد يكون في الوقت نفسه عابدا، والعابد زاهدا فإن العارف ينطوي على الزهد والعبادة؛ ولكن زهده إنما هو تنزه عما يشغل سره عن الحق، وتكبر على كل شيء غير الحق، وعبادته إنما هو تطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة، حتى يتجه بكليته إلى الله، لا يعوقه عن ذلك خيال فاسد، أو وهم ضال، أو شهوة جامحة. راجع النمط التاسع في مقامات العارفين الإرشادات لابن سينا.

पृष्ठ 160