... وأما السمنية من أهل الدهر، فإنهم زعموا أن هذه الأرض لم تزل تهوي سفلا، وأنها لا تزال تهوي، وبانت بهذا الأمر عن سائر الدهرية، وزعموا أن الذي ألجأهم إلى القول بذلك قالوا: وجدنا هذه الأرض جسما ثقيلا متكاثفا، راسبا، ووجدنا الهواء جسما خفيفا خواريا (¬1) ، فالجسم الراسب لا يقاوم الجسم الخفيف، إلا بأن ينحدر فيه، ويرسب، وزعموا أن ما دلهم على أن الأرض في الهواء وجودهم ظاهر الأرض الذي هم عليه، ملاقيا للهواء من هذه الجهة (¬2) ، قالوا: فعلمنا أنها تلقى الجو من جميع نواحيها (¬3) ، إذا كانت تلقاه من أعلاها، فكذلك تلقاه من سفلاها، ومن جوانبها، فلما كانت كذلك علمنا أنها لا تثبت في الهواء، إلا أن تكون منحدرة فيه أبدا.
¬__________
(¬1) - خار الثور (خوارا) صاح، ومنه قوله تعالى: {فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار} (سورة طه: 88). وخار الحر، والرجل يخور "خؤورة" بوزن فعولة ضعف وانكسر. والخور: الضعف، ورجل (خوار) بالتشديد، والجمع (خور) بوزن طور.
(¬2) - الجهة والحيز متلازمان في الوجود، والجهة قسمان: حقيقية لا تتبدل أصلا: وهي الفوق والتحت، وإنما يتبدلان بتبدل جهة الرأس والرجل في الحيوانات، كما في النملة والذباب وأشباههما؛ حيث تدب منتكسة تحت السقف وعلى مقعرها، وغير حقيقية: وهي تتبدل بالعرض؛ وهي الأربعة الباقية.
(¬3) - يقول صاحب كتاب الفرق: وأصحاب التناسخ من السمنية قالوا بقدم العالم، وقالوا أيضا بإبطال النظر والاستدلال، وزعموا أنه لا معلوم إلا من جهة الحواس الخمس، وأنكر أكثرهم المعاد والبعث بعد الموت، وقال فريق منهم بتناسخ الأرواح في الصور المختلفة، وأجازوا أن ينقل روح الإنسان إلى حيوان وروح الحيوان إلى إنسان إلخ. راجع الفرق بين الفرق 270.
पृष्ठ 28