अल्फ्रेड नॉर्थ व्हाइटहेड के संवाद
محاورات ألفرد نورث هوايتهد
शैलियों
أما بعد، فإن لي مع كتاب «محاورات هوايتهد» لقصة طريفة أرويها في ختام هذه المقدمة: كنت أستاذا زائرا بجامعة أمريكية في ولاية واشنطن، وهي في أقصى الشمال الغربي من الولايات المتحدة، في العام الدراسي 1953-1954م، وفي ربيع عام 1954م نشرت مجلة «آتلانتك» الأدبية فصولا عن هوايتهد توطئة لإصدار كتابه هذا، فتابعت هذه الفصول، ولفت نظري في أحدها رأي غريب عن المسيح؛ إذ يقول عنه إنه يتصف بسماحة النفس التي لا نعرفها في أبناء البلاد التي ظهر فيها، ونعرفها في اليونان، وإذن فالأرجح أن يكون المسيح من عنصر هليني كان قد انتقل إلى الموطن الذي ظهر فيه ...
عجبت لهذا الخطأ المنطقي المنهجي يقع فيه علم من أعلام المنطق والتفكير الرياضي الصارم؛ لأن أبجدية المنطق السليم في النظرة العلمية هي أن نبني النظرية على أساس الواقع، لا أن نحور في الواقع حتى يتفق مع النظرية؛ فإذا كان الفرض النظري عند هوايتهد هو أن أهل الشرق الأوسط لا يعرفون سماحة النفس، كما عرفت هذه الصفة عند اليونان، ثم وجد نبي التسامح يظهر بينهم، فالأدنى إلى الصواب أن يغير من نظريته حتى تتفق مع الواقع المشهود - والواقع هنا هو ظهور المسيح في الشرق الأوسط - لا أن يحتفظ بنظريته كما توهمها ثم يلف الواقع لفا تتحقق به نظريته المزعومة.
وبعد قراءة هذا المقال في المجلة، جاء موعد محاضرتي - وكان دائما من الحاضرين عدد كبير من الأساتذة - فبدل أن أحاضرهم في الموضوع الذي أدير حوله محاضراتي، وهو الفلسفة الإسلامية، فاجأتهم بأن أجعل موضوع المحاضرة تعليقا على هذه النبذة التي وردت في المقال المذكور.
ومضت الأيام، وجاء يوم الأربعاء 26 من مايو سنة 1954م، وهو اليوم الذي ألقيت فيه آخر محاضراتي في تلك الجامعة، فماذا حدث؟ ها أنا ذا أنقل إليك أسطرا من مذكراتي اليومية: «... بعد أن
- بما فيها من طلبة ومستمعين - إلى حفلة صغيرة أعدوها توديعا، بمناسبة انتهاء الشوط الدراسي، وهناك قام الدكتور «ه» أستاذ الأدب الإنجليزي - وقد حضر لي جميع محاضراتي بغير تخلف - فألقى كلمة تقدير اهتزت لها نفسي، ثم قدم إلي هدية كتاب «محاورات ألفرد نورث هوايتهد» الذي صدر هذا الأسبوع، وقد وقع الحاضرون على غلافه من الداخل، بعد أن كتب نيابة عنهم الدكتور «ه» عبارة على الغلاف، سأعتز بها ما حييت ... هذا نصها:
إلى الأستاذ زكي نجيب محمود
إننا نقدم إليك هذا تقديرا عميقا لمحاضراتك الوضاءة التي ألقيتها علينا في الفكر العربي، فبرغم أنك تحدثت إلينا بلغتنا، وهي لغة تختلف عن لغتك اختلافا بعيدا ، فقد بهرتنا أبدا، وسحرتنا بهذه السيطرة الجميلة التي سيطرت بها على اللغة الإنجليزية، في كل لفتة من لطائف لفتاتها، وفي كل موضع من مواضع سياقها.
اللهم اجعل الشمس والغيث لك مددا، فيثمران لك ثمرا موصولا من رصانة الحكمة وخصوبة الحياة.
ثم شاء الله لقصتي مع هذا الكتاب الرائع أن تنتهي بفصل مشرق بهيج، وهو أن يتولى ترجمة الكتاب إلى اللغة العربية شقيقي الأستاذ محمود محمود، الذي مهما اقتضت صلتي به أن أقتصد في عبارة التقدير، فلن يمنعني ذلك من القول بأن الترجمة قد جاءت للأصل البديع صنوا بديعا.
زكي نجيب محمود
अज्ञात पृष्ठ