मुहर्रर
المحرر في الفقه
प्रकाशक
مطبعة السنة المحمدية ١٣٦٩ هـ
بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ الإمام العالم العلامة مفتي المذاهب رحلة الطلاب نسيج وحده وفريد عصره شيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بن الشيخ الإمام العالم أبي المفاخر مفلح بن مفرج المقدسي الحنبلي تغمده الله برحمته وكان قد صنف هذا الكتاب قبل سنة أربعين وسبعمائة وتوفي ليلة يسفر صباحها عن يوم الخميس ثاني رجب الفرد سنة ثلاث وستين وسبعمائة وله تصانيف باهرة في فنون مشهورة وهذا الكتاب اسمه النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر للشيخ مجد الدين بن تيمية تغمده الله برحمته.
1 / 1
1 / 2
كتاب الطهارة قوله في المحرر: "ويتخرج التطهير بإضافة ما دون القلتين فيهما" يعنى إذا كان الماء النجس قليلا أو كثيرا فأضيف المطهر إلى كثير نجس فأكثر الأصحاب على أنه لا يطهر وذكر بعضهم تحريجا وبعضهم وجها وبعضهم في بعض مصنفاته وجها وفي بعضها تخريجا وأيا ما كان فأصله مسألة زوال التغير بنفسه وقطع في المستوعب بهذا القول وعلله بأنه لو زال بطول المكث طهر فأولى أن يطهر بزواله بمخالطته لما دون القلتين فخالف في هذه الصورة أكثر الأصحاب كما أنه قطع في الصورة الثانية بما قطع به أكثر الأصحاب في أنه لا يطهر وإن أضيف القليل المطهر إلى قليل نجس وبلغ المجموع قلتين فأكثر الأصحاب أو كثير منهم لم يحك في هذه الصورة خلافا في أنه لا يطهر وأظن منهم الشيخ مجد الدين صاحب المحرر في شرح الهداية وذكر بعضهم لما حال١ وقوع النجاسة في الصورة الأولى فقد حكى في عموم خبر القلتين بخلاف هذه الصورة وجها وبعضهم تخريجا أنه يطهر إلحاقا وجعلا لكثير بالانضمام كالكثير من غير انضمام وحرروه قياسا فقالوا لأنه ماء كثير غير متغير بالنجاسة فكان طاهرا كما لو وقعت فيه ابتداء وهو كثير ولم تغيره أو زال تغيره بنفسه واحتجوا بخبر القلتين وعلى هذا قد يخرج طهارة قلة نجسة إلى مثلها وقد يفرق بينهما وأظن بعض الأصحاب صرح به والذي نص عليه الإمام أحمد ﵀ أنه لا تطهر قله نجسة إلى مثلها وذكر في الكافي تخريج طهارة قلة نجسة إلى مثلها. _________ ١- كذا في الأصل. ولعل الصواب "كحال".
1 / 3
قال لما ذكرناه وإنما ذكر الخلاف في القليل المطهر إذا أضيف إلى كثير نجس وهذا فيه نظر واحتج الأصحاب للراجح في المذهب والجواب عن خبر القلتين والاحتجاج به هنا يطول ذكره فليطلب في كلامهم فأما إن لم يبلغ المجموع قلتين فهو نجس وكذا في المحرر فيه إطلاق فإن كان مراده وبلغ المجموع قلتين وردت هذه الصورة على كلامه وإن كان مراده أن التخريج يجري في هذه الصورة أيضا فقال بعضهم يكون التخريج من رواية إن الماء لا ينجس إلا بالتغيير وفيه نظر لأن التفريع إنما هو على المذهب فأما على رواية إن الماء لا ينجس إلا بالتغيير فلا إشكال والقليل كالكثير فتطهيره بزوال تغيره على أي وجه كان وإضافة ماء إليه قل أو كثر. ويحتمل أن يكون المراد أن الماء مطهر للماء النجس وإن لم يبلغ هذا القدر المخصوص إذا غمره لأنه عين للماء أثر في تطهيرها فأثر وإن لم يبلغ القدر المخصوص كسائر المحال وهذا للماء طهر المحل وأزال النجاسة من غير انفصال فيكون حكمه حكم ما انفصل غير متغير بعد زوال النجاسة لا فارق بينهما إلا الانفصال ولا أثر له هنا لعدم اعتباره كما نقول في الماء الكثير أو في نجاسة الأرض فإنه لا يعتبر في تطهيرها الانفصال. وقولهم "ماء لا يدفع النجاسة عن نفسه فعن غيره أولى" إن أرادوا:
1 / 4
لا يدفعها عن نفسه فيما إذا كانت واردة عليه فمسلم وعليه يدل خبر القلتين لكن لا يحصل المقصود وإن أرادوا مطلقا فممنوع ولا يقولون به وحمل كلام صاحب المحرر على هذا أو ما أشبهه أولى لكن يستبعد هذا من جهة أني لم أجد أحدا ذكره فينبغي أن يتأمل هذا وينظر هل قال به أحد أم لا فإن كان قد قيل به فقد لا يبعد حمل كلامه عليه وإن كان هو لم يصرح به. فإن أضيف إلى الماء النجس غير الماء فهل يطهره كلام الأصحاب فيه مشهور وسيأتي كلامه في المحرر في الماء وأنه الذي يطهر الماء النجس لا غيره وأظن أنه لم يحك في إضافة غيره خلافا في شرح الهداية في أنه لا يطهر وهذا ظاهر كلام جماعة من الأصحاب كابن عقيل وهذا متوجه فيما إذا كان الماء النجس قليلا أما إذا كان كثيرا فلا فرق إذا كان لا يستر النجاسة ولا يغير رائحتها وقطع في المستوعب بأن غير الماء لا يطهر الماء النجس.
قوله: "ومن خفي عليه موضع النجاسة غسل ما يستيقن به غسلها" أطلق العبارة كغيره ومراده في غير الصحراء قطع بذلك الأصحاب وعن أحمد ما يدل على التحري في غير الصحراء قال إسماعيل بن سعيد سألت أحمد عن المذي يصيب الثوب ولا يعلم مكانه قال إن علم بمكانه غسله وإن أشكل عليه ذلك نضح المكان الذي يظن أنه أصابه أما الصحراء فلا يمكن حفظها
1 / 5
من النجاسة ولا يمكن غسلها إلا بمشقة شديدة وله أن يصلي فيها بلا تحر في ظاهر كلام الأصحاب وصرح به بعضهم وينبغي أن يستحب مبالغة في تحصيل شرط العبادة قال في الرعاية ويجتنب ما ظن نجاسته وهذا صحيح لأنه كالمتلاعب كما لو أقدم على العبادة ظانا عدم دخول الوقت وكالصلاة والصوم في حق من اشتبهت عليه الأشهر وكذا لو دفع الزكاة إلى من يظن عدم استحقاقه فتبين بخلافه. _________ ١- بهامش الأصل: أي: إذا كان طاهر في الحياة.
1 / 6
1 / 7
١- بهامش الأصل: أحدهما: يقوم الأشنان ونحوه مقامة. ولا تقوم الغسلة الثامنة مقامة وهو المذهب.
1 / 4
قوله: "وإن اشتبه طاهر بطهور توضأ بكل واحد منهما ثم صلى"
1 / 7
كذا عبر جماعة من الأصحاب وتبعهم وكذا تبعهم في مسألة اشتباه الثياب الطاهرة بالنجسة وهذا الإطلاق يقتضي أن الحكم كذلك مع القدرة على استعمال ماء طهور بيقين أو ثوب طاهر وليس كذلك عنده على ما ذكره في شرح الهداية وكذا لم أجد أحدا من الأصحاب صرح بالقول بمقتضى هذا الإطلاق. ووجه عدم القول به أما في مسألة الثياب فلعدم الجزم بالنية من غير حاجة وأما مسألة الوضوء من الطاهر والطهور عند الاشتباه مع القدرة على استعمال طهور غير مشتبه فإن توضأ وضوءين لم يصح لما تقدم وهو إخلاله بالجزم بالنية من غير حاجة وإن كان١ وضوءا واحدا غرفة من هذا وغرفة من هذا لكل وضوء إلى كمال الطهارة صح لجزمه بالنية. وتشاغله في خلال الطهارة بما ليس منها بشيء يسير لا يطول الفصل به ولا يؤثر. _________ ١ كذا بالأصل. ولعله "وإن توضأ ".
قوله: "يحرم استقبال القبلة ثم ذكر بعد هذا أنه لا يفعل كذا ولا كذا" قد يقال فيه إشعار بأن هذه الأمور غير محرمة لأنه لو أراد التحريم ثم صرح١ به ولو أوضح حكم ذلك بالتحريم أو الكراهة كان أجود. وبيان ذلك أما استصحاب ما فيه ذكر الله تعالى فمكروه صرح به المصنف في شرح الهداية وغيره وعن الإمام أحمد لا يكره ذكرها الشريف وقطع في المستوعب بأن إزالة ذلك أفضل وهذا قول ثالث ولعله أقرب. وأما قوله: "ولا يتكلم" فكذا عبر جماعة وصرح جماعة بالكراهة، _________ ١- كذا بالأصل. ولعله " لصرح به".
1 / 8
ولم أجد أحدا منهم ذكر التحريم مع أن دليلهم يقتضيه وعن الإمام أحمد ما يدل عليه قال صالح سألت أبي عن الكلام في الخلاء قال يكره وقال إسحاق بن إبراهيم سألت أحمد عن الكلام في الخلاء قال لا ينبغي له أن يتكلم. قوله: "ولا يمكث فوق الحاجة" كذا عبر جماعة وعبر جماعة بالكراهة وهذه المسألة هي مسألة كشف العورة خلوة لغير حاجة وفيها ثلاث روايات التحريم والكراهة والجواز لكن هنا يتعين نفي الجواز لأمر اختص به هذا الموضع وبه يعرف قوة الكراهة أو التحريم. قوله: "ولا يستقبل الشمس ولا القمر" كذا عبر جماعة وعبر جماعة بالكراهة ولم يذكر بعضهم هذه المسألة مع شهرتها فلعله لم يرها والكراهة تفتقر إلى دليل والأصل عدمه وظاهر قول النبي ﷺ: " ولكن شرقوا أو غربوا " يدل على عدمها وقطع أبو الفرج الشيرازي المقدسي في كتابه الإيضاح بالتحريم. قوله: "ولا يبول في شق ولا سرب" كذا عبر جماعة وصرح جماعة بالكراهة ولا فرق بين أن يكون فم بالوعة أو غيرها صرح به الأزجي في النهاية وفي الرعاية.
1 / 9
قوله: "ولا طريق ولا ظل نافع" كذا ذكر جماعة وشرط غير واحد في الطريق أن يكون مأتيا ولم يقيد غير واحد الظل بالنفع وصرح في المبهج والكافي والشرح للمقنع وغيرها بالكراهة وصرح في المغنى بالتحريم وقطع به ابن تميم. قوله: "ولا تحت شجرة مثمرة" كذا ذكر جماعة وصرح جماعة بالكراهة وصرح ابن تميم بالتحريم وقطع في المستوعب والنهاية بأنه لا يبول تحت شجرة مثمرة ولا غير مثمرة.
1 / 10
1 / 11
1 / 12
1 / 11
1 / 12
قوله: "الرابع: لمس الرجل للمرأة المرأة للرجل بشهوة فينفض وضوء اللامس وفي الملموس روايتان" أطلق الخلاف ومراده مع الشهوة من
1 / 13
الملموس لأنه فرع على ما قدمه وهو ظاهر المذهب فإن قيل باعتبار الشهوة من اللامس فهل يلحق الملموس به مع الشهوة فيه روايتان وإن قيل لا تعتبر الشهوة من اللامس لم تعتبر في الملموس وفي إلحاقه به الروايتان ولهذا قال القاضي أبو الحسنين الملموس هل ينتقض وضوءه في الموضع الذي ينتقض فيه وضوء اللامس على روايتين وعن الشافعي كالروايتين انتهى كلامه. أما اعتبار الشهوة من اللامس وعدم اعتبارها من الملموس فلا وجه له لأن غاية حكم الملموس أن يساوي حكم اللامس لأنه فرعه وغاية الفرع مساواته لأصله ولهذا صحح جماعة عدم نقض وضوءه الملموس مطلقا وإن قلنا ينقض وضوء اللامس منهم المصنف في شرح الهداية والأزجي في النهاية وذكر ابن هبيرة أنه أظهر الروايتين ولم أجد أحدا صحح خلاف هذا غير ابن عقيل ومذهب مالك اعتبار الشهوة من الملموس كاللامس فإن وجدت لزمه الوضوء وإلا فلا. قال المصنف: ويجب أن تحمل رواية النقض عندنا على ذلك. قال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة: إذا قلنا بالنقض اعتبرنا الشهوة في المشهور١ كما نعتبرها في اللامس حتى ينتقض وضوءه إذا وجدت الشهوة فيه دون اللامس ولا ينتقض إذا لم توجد فيه وإن وجدت في اللامس انتهى كلامه. _________ ١- كذا بالأصل. ولعله "الملموس".
1 / 14
وقول ابن تميم "ولم يعتبر أصحابنا الشهوة في الملموس" هذا يجب أن يكون اكتفاء منهم ببيان حكم اللامس وأن الشهوة معتبرة منه وأن من الواضح أن حكم الملموس مفرع عليه لا أنها تعتبر منه وإن اعتبرت من اللامس ولم أجد أحدا صرح بهذا ويؤخذ من كلامه أن الممسوس فرجه لا ينتقض وضوءه رواية واحدة وصرح به غير واحد وهو مذهب مالك والشافعي مع أن مذهبهما نقض وضوء الملموس كاللامس على أصلهما لأن الملامسة تقتضي المشاركة إلا ما خرج بدليل وهنا ورد بلفظ المس والممسوس لم يمس. ومن أصحابنا من ذكر في الممسوس فرجه وجهين ومنهم من ذكر روايتين وذكر القاضي في شرحه أن مس المرأة لفرج الرجل أو الرجل لفرج المرأة هل هو من قبيل مس النساء أو من قبيل مس الفرج على وجهين والأظهر أنه ينتقض وضوء الماس منهما لفرج الآخر وإن لم يكن بشهوة والممسوس فرجه لا ينتقض وضوءه في ظاهر المذهب إلا أن يكون عليه شهوة ففيه الروايتان. قوله: "فإن تيقنهما وشك في السابق منهما كان على عكس حاله قبلهما إلا أن يتيقين أسبق فعليهما فيكون على مثل حاله قبلهما هكذا ذكر الأصحاب
1 / 15
قبله هاتين المسألتين وتبعهم وتكلم عليهما في شرح الهداية كلاما حسنا وهذا كلامه أو معناه: أما المسألة الأولى فصورتها: أن يتيقين أنه على طهارة في وقت وزنه أنه محدث في وقت آخر ولا يتيقن ابتدائها فإنه يكون على خلاف حاله قبلهما لأن الحالة السابقة زالت يقينا لمخالفتهما من الحالين المشكوك فيهما وأما الموافقة لها فيحتمل أن تكون هي بعينها وقد استمرت إلى أن زالت بالمخالفة ويحتمل أنه بعد المخالفة بسبب متجدد فحينئذ لا نزيل يقين الحالة المخالفة بأمر مشكوك فيه. مثاله إذا قال: أتحقق أني بعد الزوال مرة محدثا ومرة متطهرا ولا أعلم السابق منهما إلى حالة قبل الزوال فإن كان متطهرا فهو الآن محدث لأن تلك الطهارة المتيقنة قبل الزوال زالت بيقين الحدث بعد الزوال وأما الطهارة المتيقنة بعد الزوال فجائز أن تكون هي السابقة وقد استمرت إلى ما بعد الزوال وجائز أن تكون طهارة مستأنفة فلا نزيل يقين الحدث بالشك. وإن قال: كنت قبل الزوال محدثا فهو الآن متطهر لماسبق من الاستدلال. وهذا كما لو علمنا لزيد على عمرو ألف درهم فأقام عمرو بينه بالأداء أو الإبراء فأقام زيد بينة أن عمرا أقر له بألف درهم مطلقا لم تثبت له هذه البينة شيئا لاحتمال أن الألف الذي أقر به هو الألف الذي علمنا وجوبه وقامت البينة ببراءته فلا تشتغل ذمته بالاحتمال وقال الأزجي من أصحابنا المتأخرين في كتاب النهاية له لو قيل إنه يجب عليه الطهارة لكان له وجه لأن يقين الطهارة قد عارضه يقين الحدث وإذا تعارضا سقطا ووجب عليه الوضوء احتياطا.
1 / 16