غير أن حادثة لطيف باشا ما لبثت أن استدعت محمد علي إلى مصر على جناح السرعة، فثابر طوسن على القتال، ولكن عبد الله - أمير الوهابيين - لم يكن راغبا إلا في الراحة واللذات، فأرسل إلى طوسن من فاوضه في الصلح، فقرر طوسن شروطه على ما شاء، وكانت شديدة صارمة، فقبلها عبد الله وامتثل، فعاد طوسن إلى مصر، ووصلها في 7 نوفمبر سنة 1816.
ولكن محمد علي أبى المصادقة على تلك الشروط، إلا إذا رد الوهابيون ما سلبوه من مكة والمدينة، فأجاب عبد الله بأنه لم يعد لديه شيء من ذلك، فلم يصدقه محمد علي - لغرض في نفس يعقوب - وجرد عليه حملة جديدة، تحت قيادة إبراهيم باشا ابنه.
فباشر إبراهيم الحرب بعنف، وبينما أخوه طوسن تقتله في بونيال حمى طاعونية اعترته عقب ليلة قضاها بين ذراعي جارية وهبت له حديثا، فمات عن ابنه عباس الأول وهذا لا يزال في الثالثة أو الرابعة من عمره، ما فتئ إبراهيم يتقدم من فوز إلى فوز، ومن نصر إلى نصر حتى استولى على درية عاصمة الوهابيين، بعد حصار دام سبعة شهور، فدمرها تدميرا، وأرسل عبد الله بن سعود إلى مصر أسيرا، فسلمه محمد علي إلى نفر من التتر أتوا من الأستانة لاستلامه، فعادوا به إليها، وهناك - بعد أن داروا به الشوارع ثلاثة أيام؛ ليهزأ به الملأ ويهينوه - قطعوا رأسه، ثم حشوه تبنا، وأبقوه معلقا على سور الباب العالي مدة، يتفرج عليه المارون ويشتمونه. •••
وأما الثورة اليونانية، فإنها بدأت بتحريض من علي باشا تبلن والي يانينا، يوم 7 أبريل سنة 1821 - وهو اليوم الذي يحتفل القوم فيه الآن بعيد استقلالهم - وانتشرت بسرعة انتشار الحريق، لا سيما بعد أن أمر السلطان محمود الثاني بشنق البطرك المسكوني في الأستانة العلية بملابسه الحبرية يوم عيد الفصح الأرثوذكسي بالذات، فأعلنت المورة استقلالها في أول يناير سنة 1822، وقامت العصابات اليونانية في كل جهة تقاتل القوات العثمانية قتال المستبسل في البر والبحر.
صف التشريح بمدرسة الطب.
فبادت في ذلك ثلاثة جيوش وثلاث عمارات، وما لبث السلطان محمود أن فهم أن إخماد نيران تلك الثورة الهائلة فوق طاقة قواده وجنوده غير المنظمة ، فاستنجد محمد علي، ولكن استنجادا جزئيا، وطلب إليه العمل فقط على إخماد الفتنة القائمة في جزيرة كريت، ولهذا الغرض ولاه الإدارة العسكرية في تلك الجزيرة.
غير أنه لما دخل جيش عثماني مؤلف من مائة ألف مقاتل شبه جزيرة المورة في ربيع سنة 1824 لإخضاعها - وما عتم أن هلك فيها - كبح محمود جماح كبريائه الهمايونية، واستنجد محمد علي استنجادا كليا، فلبى محمد علي دعوته، على شرط أن تكون له إدارة الأقاليم التي يخضعها حسام جيوشه لسلطة الباب العالي. •••
وفي 10 يوليو سنة 1824 أقلع إبراهيم باشا ابنه - قاهر الوهابيين - على رأس جيش مصري بحت مدرب على النظام الجديد، يربو عدده على ثمانية عشر ألف مقاتل، تقله عمارة مصرية بحتة، مؤلفة من 73 مركبا حربية، وسبعون سفينة شراعية أجنبية، ونزل في ثغر مورون في 16 فبراير سنة 1825، فاستولى في مدة وجيزة على جميع الساحل، وما أتى آخر سنة 1825 إلا وكل مدن المورة قد وقعت في قبضة يده، ما عدا نوبليا.
وكان الجيش التركي من جهته تحت قيادة رشيد باشا؛ يحاصر مدينة ميسولونجي، ولا يستطيع الاستيلاء عليها، فهاج ذلك غضب السلطان محمود، فأرسل إلى رشيد باشا رسولا يقول له: «ميسولونجي أو رأسك!» فهجم رشيد باشا على أسوار المدينة مرتين، ورد عنها مرتين، بخسائر فادحة.
فتوسل إلى إبراهيم باشا بأن يتفضل وينجده، فسار إبراهيم إليه بعشرة آلاف رجل من المشاة، وخمسمائة فارس، واستلم زمام الإمرة العامة، وشدد في الحصار تشديدا سد على أهل ميسولونجي جميع المنافذ والمسالك، واضطرهم إلى الهلاك جوعا، فأشعلوا النيران تحت أسوار مدينتهم وتحت بيوتها، ونسفوا نفوسهم معها، فما استولى الجيشان المصري والعثماني، إلا على خرائب وأطلال.
अज्ञात पृष्ठ