بوغوص بك أحد أعوان محمد علي في المسائل المالية.
ففي سنة 1807 هذه عينها، وعقب الفوز على الحملة الإنجليزية رأى محمد علي من نزوع جنده إلى السلب، ومن تخليهم عن راياتهم، وانسلالهم جماعات جماعات إلى الريف والعاصمة للنهب والفتك بالأهلين؛ ما رأى معه وجوب تأديبهم تأديبا صارما، وكانوا أكثر من عشرة آلاف، فغادر الإسكندرية إلى رشيد حيث رمم السور والحصون، وسار بمركب في النيل إلى مصر، ولكن المركب انقلبت به أمام وردان، فاجتاز النهر سباحة، وتابع بقية سفرته راكبا، وإذا بالجواد - على غير عادته - كبا وسقط على الأرض، كما كبا جواد ناپوليون الأول به بعد اجتيازه نهر النيمين.
فتطير أتباع الباشا من الأمرين، وباتوا يعتقدون قرب وقوع شر.
وقد وقع فعلا؛ فإن الجند لما أقبل محمد علي يخمد روح التمرد فيهم ثاروا عليه وأطلقوا نيران بنادقهم على منزله، ولم يبد حرسه الشخصي إلا دفاعا واهيا عنه.
فأدرك محمد علي في الحال خطورة الموقف وحرجه المتناهي، وقبل أن يتفاقم الخطب، وتسري روح العصيان إلى أخصائه، تخفى وتخفى معه أصدقاؤه والموالون له والمماليك الفرنساويون الذين رأيناهم ينضمون إليه، وسار الجميع بكنوزهم إلى القلعة.
فلما فطن الألبانيون الثائرون إلى ذلك أقبلوا أولا ينهبون سراي محمد علي، ثم انقسموا على أنفسهم، فمنهم من قال بوجوب الانضمام إلى الترك والعمل معا على ما فيه المصلحة العامة، ومنهم من أبى إلا العمل على انفراد، بدون اعتراف بأية سلطة تكون، ورأى غيرهم أن العمل في غير نهب الأهلين وسلبهم وخطف النساء والأولاد؛ مضيعة للوقت.
فاضطربت القاهرة أيما اضطراب، واختلت الحياة فيها إلى درجة أنست القوم الاحتفال برؤية رمضان! فتداخل العلماء والنقيب في الأمر وما زالوا بمحمد علي حتى حملوه على الصفح عن الثائرين ومنحهم ألفي كيس، وما زالوا بالثائرين حتى حملوهم على قبول المبلغ والاكتفاء به، والإخلاد إلى السكينة، ولكن أتدري أيها القارئ، من دفع هذا المبلغ؟ أهل القاهرة المساكين؛ فإنه وزع عليهم بواسطة شيوخهم، وكانت تعزيتهم الوحيدة أن توزيعه لم يقترن بجور أو عسف.
مختار بك أول ناظر للمعارف في مصر.
وكان محمد علي، مذ رأى حركات الجيش البوناپرتي والجيش الإنجليزي الأول الذي أخرج الفرنساويين من مصر؛ معجبا جدا بالجيوش النظامية، ومقتنعا بأن السر في انتصارات الجيش البوناپرتي - على الأخص - على المماليك والعثمانيين راجع إلى حسن نظامه، فكان يمني نفسه بإنشاء جيش على طرازه، وزادت رغبته في ذلك لما علم أن السلطان سليما الثالث أقبل على إخراج هذه الفكرة عينها إلى الوجود، ولكن الثورة الانكشارية التي أثارها على ذلك السلطان المنكود الطالع عمله هذا؛ فثلت عرشه وذهبت بحياته؛ جعلت محمد علي يؤجل تحقيق أمنيته.
غير أنه بات لا يستطيع على تحقيقها صبرا، بعد أن توالت الانكسارات على جيشه غير المنظم في حروبه مع الوهابيين، ولا سيما بعد حادثة لطيف باشا التي رويناها؛ فإن هذه الحادثة جعلته يعتقد أنه مهما أدى للديوان من خدمات، فإنه لن يؤيده إلا رغبة في تنزيله عن سدته، وشوقا إلى تحقيق هذه الرغبة، وقد كان محمد علي حتى ذلك الحين صادق الولاء والإخلاص للسلطان، لا يطمع إلا في أن يكون ذراعه الأيمن وخادمه المطيع، ولكن الريب انتشرت في قلبه بعدئذ، وصمم من ذلك الحين على الاستقلال بمصر، ولعلمه بأنه لم يكن لديه جند خاص به، مقسم يمين الولاء والطاعة لشخصه، جند مدرب على الطريقة الغربية، يمكنه أن يعتمد عليه كل الاعتماد في درء الملمات والتغلب على المحن، فإن تصميمه على الفوز بالاستقلال قد لا يذهب أدراج الرياح فحسب، بل قد يفقده عرشه؛ أخذت الرغبة في تحقيق أمنيته من إنشاء نظام عسكري جديد لا تترك في صدره مجالا للصبر.
अज्ञात पृष्ठ