मुहलहिल सय्यद रबिआ
المهلهل سيد ربيعة
शैलियों
فنهض الشيخ يتحامل ولا يقوى على النهوض، وأسنده صاحبه حتى وقف على رجليه مترنحا، ثم قال في فزع ويأس: «قتل بجير؟ قتل بجير بن الحارث؟»
ولم ينتظر جوابا على سؤاله، بل سار مضطرب الخطوات وأبو مالك يسنده من ذراعه وقصدا نحو خيام الحارث بن عباد.
الفصل الحادي عشر
كان الحارث بن عباد في فناء خيمته عندما جاء الوفد إلى الحي عائدين من رحلتهم إلى المهلهل بن ربيعة، وكانت زوجه أم الأغر ابنة ربيعة أخت كليب والمهلهل قاعدة عند أطراف الخيام، تنتظر كعادتها كل يوم عودة الوفد لكي ترى ابنها الحبيب عائدا معهم؛ فإنها أحست منذ أرسله زوجها أن فلذة كبدها يسير مع ذلك الوفد متعرضا للهلاك. كانت أم الأغر تعرف أخاها المهلهل، وكانت تحس أن الرحم لن تلين قلبه ولن تعطفه على ولدها الحبيب؛ لأن دم كليب قد طمس على قلبه، فلم يبق فيه محل لرحمة ولا مودة. ولما رأت الرسل مقبلين وحدهم، أحس قلبها بما كان، كأنها شهدته بعينيها، فقامت مسرعة تسأل في لهفة عن ولدها سؤال الواله المشدوه، فأطرق الرسل ومضوا في سبيلهم نحو خيمة زوجها صامتين، ولم تقو ألسنتهم على النطق أمام الأم الثكلى، فاشتعل قلب المرأة وصاحت في لوعة، وولولت تنوح في حرقة، فسمعها نساء الحي فأقبلن نحوها سراعا وأجبنها بالعويل حتى اشتعل الحي كله بالصياح والبكاء.
وقام الحارث مسرعا ليتعرف مبعث الضجة المنتشرة. فلما رأى الرسل عائدين وحدهم وليس فيهم بجير أدرك ما كان، ولكنه ملك نفسه وكبت ما في قلبه، وذهب بين الخيام يهدد ويسب، ويؤنب وينهى، واتجه إلى امرأته وقال لها عابسا بصوت كهدير الفحل: «يا أم الأغر لا أريد إحداكن تبكي أو تصيح، ولا أسمعن منكن صوت نحيب أو عديد، فوحق مناة إن ابني لنعم القتيل. كافأ خاله وأطفأ ثأره وأنا بقتله راض، وليس من قومي بني قيس بن ثعلبة من هو أكثر منه يمنا ولا أكرم مقتلا، فإنه قد أصلح بين ابني وائل وحقن ما بقي من دمائهم.»
فخمدت الأصوات من رهبة السيد الصارم، إلا نشيج الأم الثاكل وهي تحاول كتمان صوتها طاعة لزوجها، وتأبى حرارة كبدها أن تطيع، وانصرف الحارث إلى الرسل ومضى بهم إلى فنائه، ليسألهم عن جواب كتابه، واتجه إلى كبير الوفد وقال هادئا: «ماذا قال المهلهل يا أبا ضبيعة؟»
فوقف أبو ضبيعة حينا صامتا، وكان قصيرا دميما، فنظر إليه الحارث وقال في شيء من الحنق: «قل جوابك أيها الرجل.»
فاقترب الرجل منه كأنه يريد أن يهمس في أذنه، ولكنه لم يقدر على أن يبلغ كتفه، فتردد وبقي مطرقا، فعرف الحارث أنه لا يريد أن يتكلم في ملأ بني ثعلبة، فجذبه من ذراعه في شيء من العنف حتى تنحى به إلى جانب وقال غاضبا: «تكلم يا جحدر، أجبني بما قال المهلهل، قل ولا تخف من قوله شيئا، فإنه لن يبلغ من القسوة مثل قتل ولدي، هل رضي المهلهل بدم بجير؟»
فنظر جحدر إلى الأرض وقال بصوت خافت: «ماذا أقول لك، إذا شئت إيجازا قلت لك إنه قتل بجيرا ولم يرو به غلته.»
فصر الحارث على أضراسه وقال للرجل: «إذن فلتحمل إلى أذني كل ما كان منه. قل ولا تدع أمرا إلا وصفته.»
अज्ञात पृष्ठ