मुहलहिल सय्यद रबिआ
المهلهل سيد ربيعة
शैलियों
ثم استسلما معا لأحلام المستقبل العذبة.
الفصل الخامس
أصبح الصباح فقام كليب كعادته مبكرا يريد الخروج، وهمت جليلة أن تعيد عليه رجاءها أن يبقى معها في البيت كما فعلت بالأمس، ولكنها أيقنت أنها لن تجد منه في يومها إلا مثل ما وجدت في أمسها، فما كان سيد ربيعة ليرضى أن يطيع امرأته ويبقى في بيته، خشية من قالة عرافة تخيفه من اعتداء عدوه؛ فليس في قبائل بكر أو تغلب من توقع عداوته الرعب في قلبه، وما كان ليتوارى من ذلك العدو لو رآه أمامه بسيفه أو برمحه.
فتركته يمضي بغير مراجعة، وجعلت تكاوح نفسها بما تحسه من الخوف، وتطمئنها بأنه قد لبس التميمة السحرية ونام على الوسادة التي ذرت من تحتها الدقيق الأبيض، ولئن فاته أن يمس الخطوط المرسومة عند مدخل البيت في المساء، لعله يصيب منه في خروجه ذلك الصباح، بل إنها شعرت بشيء من الهدوء والبشر عندما تذكرت أنها قدمت لمناة القرابين من لبن وتمر، ومن لحم وسمن، وقربت لأوال كبشا من غنمها، أهدت ذلك إلى العرافة لترفعه إلى إلهيها. وخرجت مع زوجها إلى الباب تحاول أن تجره إلى الرسم السحري لعله يمسه. فلما خرج استوقفته لتودعه ولكنه كان قد أسرع فلم يقف إلا بعد أن تعدى الخطوط المرسومة بالدقيق، واضطرت هي أن تذهب إليه لتضع رأسها بين ذراعيه الممدودتين، وكانت بادية الحيرة، تنم نظراتها عن أنها تريد أن تقول له قولا ولا تجرؤ عليه، ففطن كليب إلى ذلك وعزاه إلى ما في قلبها من القلق عليه، وأراد أن يذهب ذلك الاضطراب عنها فقال لها باسما وهو يضمها: «لا تراعي يا جليلة، فهذه هي تميمتك.» ثم أمسك بمثلث من الجلد تحت ثيابه، فتبسمت جليلة وسرى عنها بعض التسرية وقالت له: سر إلى صيدك في حراسة الأرباب.
فقال لها وهو يمسح بيده على رأسها: ليس اليوم للصيد يا جليلة، قد علمت أن الإبل لم تشرب منذ خمس.
فصاحت جليلة في فزع مكتوم: إذن فأنت اليوم في الحي.
فتبسم وقال وهو يرسلها في رفق: لا تراعي يا جليلة، فلن أتعرض لجساس، لن أتعرض له وإن تعرض هو لي.
وسار عنها حتى أخفته كثبان الوادي عن عينيها.
وقضت جليلة ذلك الصباح وهي مكتئبة، فلم تذهب إلى زيارة أحد من أهلها، وعاودها دوار الحمل فاستلقت على الفراش حتى يزول عنها، وبقيت كذلك ساعات وهي تفكر في أمر زوجها وأخيها. ورنت في أذنيها أقوال جساس وهي تحدثه في بيت أبيها، وتمثلت لها صورته وهو يحملق فيها ثائرا، واحتوشتها المخاوف، فكانت تارة تتصور زوجها وقد سطا بجساس، ثم تتصور أخاها وقد سطا بزوجها، ثم يعود إليها الهدوء حينا فتطمئن إلى حماية مناة وأوال، ثم ترتد إليها الوساوس فتهزها مرة أخرى وتضنيها.
وفيما هي كذلك إذ سمعت صارخا يتعالى من بعيد من ناحية خيام أخيها جساس، وكانت في الوادي المجاور، فذهب ظنها إلى أن مكروها قد أصاب شقيقها، فقامت مذعورة ونسيت دوارها، وحل الخوف على أخيها محل القلق على زوجها، وسارت تترنح حتى اعتلت جانب الوادي تتوقل في الرمال والصخور، ثم هبطت إلى منازل جساس فرأت في ساحتها جمعا، فأسرعت تهرول حتى اقتربت منه، فرأت سعد بن شميس الجرمي ضيف خالتها البسوس واقفا يتحدث إلى من حوله.
अज्ञात पृष्ठ