وها قد مرت الأيام، وتصرمت
5
حبال السنين على تلك الحادثة، وحكماء عيشانا يسرون
6
واحدهم للآخر قائلين: «أما قيل لنا في القدم وأثبتت الأيام ذلك المقول أن عيشانا يحكمها عدوها؟!»
الملك الناسك
خبرت أن فتى يعيش في غابة بين الجبال، وأنه كان فيما مضى ملكا على بلاد واسعة الأرجاء في عبر النهرين، وقيل لي أيضا: إن هذا الفتى قد تخلى بملء اختياره عن عرشه، وعن أرض أمجاده، وجاء ليستوطن القفار.
فقلت في نفسي: «لأسعين إلى ذلك الرجل سعيا، وأقف على ما في قلبه من الأسرار؛ لأن من يتنازل عن الملك فهو بلا شك أعظم من الملك.»
فذهبت في ذلك النهار بعينه إلى الغاب حيثما كان قاطنا، فوجدته جالسا في ظلال سروة بيضاء، وبيده قصبة كان ممسكا بها، كأنما هي صولجانه، فحييته كما يحيى الملوك، وبعد أن رد التحية التفت إلي وقال بلطف: «ما عساك تبتغي في هذا الغاب الأعزل يا صاحبي، أجئت تنشد ذاتا ضائعة في الأظلال الخضراء، أم هي عودة إلى مسقط رأسك عند انقضاء شغل النهار؟»
فأجبته قائلا: «إنني ما نشدت إلاك، ولا شافي إلا الوقوف على ما حدا بك إلى استبدال مملكتك الكبيرة بهذه الغابة الحقيرة.»
अज्ञात पृष्ठ