فيكون صدى الكهوف له نديما، وخرير السواقي مؤنسا فترتاح عظامه في مفازة
15
يكون وطء أقدام الليالي عليها خفيف الوقع.»
أجاب آخر: «لا تغادروه ها هنا في وحشة مملة، ووحدة قاسية، بل تعالوا ننقله إلى مقبرة القرية، فيكون له من أرواح أجدادنا رفاق يناجونه في سكينة الليل، ويقصون عليه أخبار حروبهم، وأحاديث وقائعهم.»
فتقدم الزعيم إذ ذاك إلى وسط رجاله، وأسكتهم بإشارة ثم قال متنهدا: «لا تزعجوه بذكرى الحروب، ولا تعيدوا على مسامع روحه الحائمة حول رءوسنا أخبار السيوف والرماح، بل هلموا نحمله ببطء وهدوء إلى مسقط رأسه، ففي ذلك الحي نفس ساهرة تترقب عودته، نفس حبيبته تنتظر رجوعه من بين الأسنة لتزفه إليها كيلا تحرم نظرة من وجهه، وقبلة من جبينه.»
حملوه على المناكب مطأطئي الرءوس، خاشعي الأبصار، وساروا به الهوينا يتبعهم حصانه الكئيب، يجر مقوده على الأرض ويصهل من حين إلى آخر، فتجيبه الكهوف بصداها كأن للكهوف أفئدة تشعر مع الحيوان بشدة الضيم والأسى.
بين أضلع هذا الوادي، حيث أشعة القمر تسترق خطواتها، سار موكب النصر وراء موكب الموت، وقد مشى أمامهما طيف الحب جارا أجنحته المكسورة.
الكمال
تسألني يا أخي: متى يصير الإنسان كاملا؟
فاسمع جوابي: يسير الإنسان نحو الكمال عندما يشعر بأنه هو الفضاء ولا حد له، وهو هو البحر بدون شواطئ، وأنه النار المتأججة دائما، والنور الساطع أبدا، والأرياح إذا هبت أو إذا سكنت، والسحب إذا أبرقت أو أرعدت وأمطرت، والجداول إذا ترنمت أو ناحت، والأشجار إذا أزهرت في الربيع أو تجردت في الخريف، والجبال إذا تعالت، والأودية إذا انخفضت، والحقول إذا خصبت أو أجدبت.
अज्ञात पृष्ठ