وعن أمير المؤمنين عمر ﵁ قال: الطمع فقر، واليأس غنى، والعزلة راحة من جليس السوء، وفريق الصدق خير من الوحدة.
وقال أبو الدرداء ﵁: كان الناس ورقًا لا شوك فيه، وهم اليوم شوك لا ورق فيه.
وقال بعض الأئمة: العزلة عن الناس توفي العرض، وتبقي الجلالة، وترفع مئونة المكافأة في الحقوق اللازمة، وتستمر الفاقة.
وقد أولع الشعراء قديمًا وحديثًا من هذا المعنى بالتبرم بالناس والاستيحاش من الخلق وذم الزمان وأهله، فمن ذلك قول أبي العتاهية:
بَرِمْتُ بالناس وأخلاقهم ... فصرت أستأنس بالوحدة
ما أكثر الناس لعمري وما ... أقلهم في حاصل العِدّه
ونحوه قول الآخر:
ما أكثر الناس بل ما أقلهم ... والله يعلم أني لم أقل فَنَدا
إني أفتح عيني حين أفتحها ... على كثير ولكن لا أرى أحدا
وقول الآخر:
مخالط الناس في الدنيا على خطر ... وفي بلاء وصفو شِيبَ بالكدر
كراكب البحر إن تسلم حُشاشته ... فليس يسلم من خوف ومن حذر
وقول الآخر:
قد لزمت السكون من غير عيّ ... ألزمت الفراش من غير عله
وهجرت الإخوان لما أتاني ... عنهم كل خصلة مضمحله
وقول الآخر:
إن بني دهرنا أفاع ... ليس آمن ساوَرَتْ طبيبُ
فلا يكن فيك بعد هذا ... لواحد منهم نصيب
وقول الآخر ويعزى للإمام الشافعي ﵁:
ليت السباع لنا كانت مجاورة ... وليتنا لا نرى مما نرى أحدا
إن السباع لتهدا في مرابضها ... والناس ليس بهادٍ شرهم أبدا
فاهرب بنفسك وأستأنس بوحدتها ... تعش سليمًا إذا ما كنت منفردا
وقول طرفة بن العبد:
كل خليل كنت خاللته ... لا ترك الله له واضحه
كلهمُ أروع من ثعلب ... ما أشبه الليلة بالبارحه
وقول امرئ القيس:
كذلك جدي ما أصاحب صاحبًا ... من الناس إلاّ خانني وتغيرا
وقول الآخر:
وزهدني في الناس معرفتي بهم ... وطول اختباري صاحبًا بعد صاحب
فلم تُرِني الأيام خلا تسرني ... مباديه إلاّ خانني في العواقب
ولا قلت أرجوه لدفع مُلِمّةٍ ... من الدهر إلاّ كان إحدى المصائب
" وقال أبو فراس:
بمن يثق الإنسان فيما ينويه ... ومن أين للحر الكريم صِحاب
وقد صار هذا الناس إلا أقلهم ... ذئابًا على أجسادهنّ ثياب
وقال محمد بن تميم:
لك الخير كم صاحبت في الناس صاحبًا ... فما نالني منه سوى الهم والعنا
وجربت أبناء الزمان فلم أجد ... فتى منهم عند المضيق ولا أنا
وقول الآخر:
دَع الإخوان إنْ لم تلق منهم ... صفاء واستعِنْ واستغْنِ باللهْ
أليس المرء من ماء وطِين ... وأي صفا لهاتيك الحبِلَّه
ومثله:
ومن يكُ أصلهُ ماء وطينًا ... بعيد من جِبِلَّتِه الصفاء
ونحوه:
لا تثق من آدميّ ... في وداد بصفاء
كيف ترجو منه صفْوًا ... وهو من طين وماء
وقال أبو العلاء:
جربت أهلي وأصحابي فما تركت ... ليَ التجاربُ في ود امرئ غرضا
وقول أبي الطيب:
إذا ما الناس جربتهم لبيب ... فإني قد أكلتهم وذاقا
فلم أرَ وُدَّهم إلاّ خداعًا ... ولم أرَ دينهم إلاّ نفاقا
وأنشد أيضًا:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ... عدوًا له ما من صداقته بد
قيل إنه لما تنبأ قيل له: ما معجزتك؟ قال: قولي ... وأنشد البيت: وقول الآخر:
تصفحت أبناء الزمان فلم أجد ... سوى من غدا واللؤم حشو ثيابه
فجردت من سيف القناعة مُرْهَفًا ... قطعت رجائي منهم بذُبابه
فلا ذا يرني واقفًا في طريقه ... ولا ذا يراني واقفًا عند بابه
وقول الآخر:
أردت من الدنيا صديقًا مؤاتيًا ... وفيًا بما أرضاه يرضى وينشرح
فإذ لم أجد أغضيت عن كل كائن ... وقلت لقلبي قد خلا الكون فاسترح
وقال غيره:
ألام على التفرد كل حين ... ولي فيما إلامُ عليهِ عذر
وكل أذى فمصبور عليه ... وليس على قرين السوء صبر
وقال محمد بن تميم:
من كان يرغب في حياة فؤاده ... وصفائه فلينأَ عن هذا الورى
1 / 78