ألا أيها الركب المجِدّون هل لكم ... بساكن أجزاع الحمى بعدنا خُبْر؟
فقالوا: قطعنا ذاك ليلًا وإن يكن ... به بعض من تهوى فما شعر السَّفْر
وكقول الآخر:
بكت عيني اليسرى فلما زجرتها ... عن الغيّ بعد الشيب أسبلتا معا
فليست عشيات الحمى برواجع ... إليك ولكن خِلّ عينيك تدمعا
إلى غير ذلك.
ويكثرون أيضًا ذكر كقوله:
شيب أيام الفراق مفارقي ... وأنشزن نفسي فوق حيث تكون
وقد لانَ أيام اللوى ثمَّ لم يكد ... من العيش شيء بعدهنّ يلين
وكقول جرير:
لولا مراقبة العيون أرَيْنَنا ... مُقل المها وسوالف الآرام
هل يَنْهَيَنَك أن قتلنَ مرقشًا ... أو ما فعلن بعروة بن حزام
ذُمَّ المنازل بعدَ منزلةِ اللّوى ... والعيشَ بعد أولئك الأيامِ
إلى غير ذلك.
وأما نجد وهو ما ارتفع من الأرض من بلادهم وأكثر من ذلك كلّه كقوله:
سقى الله نجدًا والسلام على نجد ... ويا حبذا نجد على النأي والبعد
وقول الآخر:
أشاقتك البوارق والجنوب ... ومن علوي الرياح لها هبوب
أتتك بنفحة من شيح نجد ... تصوب والعرار بها مشوب
وشمت البارقات فقلت: جيدَتْ جبال البتر أو مطر القليب
ومن بستان إبراهيم غنّت ... حمائم بينها فنن رطيب
فقلت لها: وقيتِ سهامَ رامٍ ... ورُقْط الريش مطعمها الجنوب
كما هيجت ذا حُزْنٍ غريبًا ... على أشجانهِ فبكى الغريب
وما وجد أعرابية قذفت بها ... ..................الأبيات
وتقدم شيء من ذلك، وهو كثير، وذلك في الغالب لحسنه في نفسه هواء وماء ومنابت ومسارح، والناس كلهم مجمعون على ذكر ديار الأحباب ومعاهد الشباب، ولا خصوصية للعرب، وإن كان لهم مزيد رقة.
لله الأمر من قبل ومن بعد
الأريحية
أنشد في النوادر لمحرز العكلي:
يظلّ فؤادي شاخصًا من مكانه ... لذكر الغواني مستهامًا متيّما
إذا قلت مات الشوق مني تنسمت ... به أرْيحيّاتُ الهوى فتنسما
وفي البيت فائدة، وهي أن لفظ الأريَحِيّة هو بسكون الراء وفتح الياء، ووقع في شعر المولدين أيضًا ما يوافق ذلك.
مما علق بحفظي من أشعار المعاني عند العرب قول الشاعر:
فجنبت الجيوش أبا زينب ... وجاد على مسارحك السحاب
يحتمل أن يكون دعاء له بالعافية والخصب، ويحتمل أن يكون دعاء عليه بالإفلاس حتى لا تقصده الجيوش، ثم بالخصب مع ذلك لأنه أوجع لقلبه، حيث يرى الرِّعيْ ولا راعية كما قال الراجز:
أمرعت الأرض لوَانَّ مالا
لو أن نوقًا لك أو جمالا
أو ثلة من غنم أمّا لا
أي إن كنت لا تجد غيرها، وقال الآخر:
ستبكي المخاض الجرب أن مات هيثم ... وكلّ البواكي غيرهنّ جمود
أي إنه كان يستحييها بخلًا، ولا ينحرها للضيفان، فهي تبكي عليه، ولا يبكي عليه أحد من الناس إذ لا خير فيه، وهذا هجو، وقد استعمل الجمود في مجرد عدم البكاء، وكأنه لاحظ فيه المبالغة، فإن الناس لعدم اكتراثهم بالهالك أصبحوا في حقه لا يتصور منهم البكاء ولا انحدار دمع كمثل الأحجار ونحوها، ويستعمل الجمود حيث يراد البكاء ولا تسمح العين بالدموع كقوله:
ألا إن عينًا لم تجد يوم واسط ... عليك بجاري دمعها لجمود
ولذا عيب قول القائل:
سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا ... وتسكب عيناي الدموع لتجمدا
ومتى اعتبرنا بالمعنى الأول فلا عيب، وقول الآخر هو توبة بن مضرس بن عبد الله التميمي يلقب الخنوت بوزن السنور:
قتيلان لا تبكي المخاض عليهما ... إذا شبعت من قرمل وأفان
وهذا مدح ضد الأول أي إنهما كانا يهلكانها بالنحر، فإذا ماتا استراحت وشبعت فلم تبك عليهما، والقرمل واحده قرملة، وهي شجرة ضعيفة تنفضح إذا وطئت، ومنه قولهم في المثل إذا التجأ الضعيف إلى مثله: ضعيف عاذ بقرملة، والأفاني واحده فانية، وهي شجرة أخرى، وقول الآخر، وهو حميد بن ثور:
ولقد نظرت إلى أغز مشهر ... بِكْرٍ توَسَّن بالخميلة عُونا
متسنم سنماتها مُتبَجّسٍ ... بالهدر يملأ أنفسًا وعيونا
لقح العجاف له لسابع سبعةٍ ... وشَرِبْنَ بعدَ تَحَلُّؤٍ فروينا
1 / 27