وما زلنا نقتطف منهم زهور الآداب، ونغترف ثمار الألباب، وهم يمزجون جدهم بالمفاكهة والمباسطة، ويزهون كالعقد وصاحب المنزل لهم كالواسطة، ومجلسه يحتفل بالوافدين، ويغص بالواردين، وهو يخاطب كلا على قدره وعقله، ويتحف كل من له وطر بقضاء وطره، ولا يتعلل كغيره بشغله، حتى أقبل ملك الليل بسواده الأعظم، ونثر على الأفلاك جواهر النجوم التي كأنها العقد المنظم، هذا ونحن في فلك السعود، كوكبنا ومساؤنا دخان العنبر والعود، وقد أشرق بدر تلك
المنازل بالنور والكمال، وأشرف علينا بجبين لطيف رأينا عليه الهلال، وشنف ندر منطقه منا الإسماع، حتى خيل لكل منا أنه جليس القعقاع.
وما زلنا في ليلنا نجمع عقود السرور كأنها فذلك، وتتمتع بنعيم لو سئلنا عن أنفس أعمارنا فذلك، حتى نبذا لله الكري في هامة منا وراس، فأسكرتنا سنة النوم والنعاس، وهجم علينا ملك الكري، وقد كاد أن يشيب عارض الليل مما سال من دمع الشمع وجرى، وعند ذلك طوينا من المنادمة بساطها، وتفرقنا تطلب كل نفس منا راحتها وانبساطها، ثم اصطحبنا على الوساد للرقاد، وأعطينا الجفون حقها من الإغفاء بعد السهاد،
1 / 44