قال لطفي السيد: يعني أن تقوم في البلاد قارعة!
فقال سعد بلهجته المعهودة التي كان يقلب فيها القاف كافا: كارعة ... ماذا؟
قلت: أعتقد يا باشا أننا لا نصل إلى حقوقنا بالكلام ...
فسكت - رحمه الله ... وحدث في نفس اليوم أننا كنا مدعوين إلى حفلة خيرية بالأوبرا الملكية، وكنا وسائر أعضاء الوفد في تلك الأيام نتغدى معه على مائدته يوميا، وكان معاشرا أنيسا لطيفا، وكان عطفه علينا كبيرا، وفي المساء ذهبنا معا إلى الأوبرا، وما كدنا نهل عليها، وندخل بابها حتى دوت أرجاؤها بالهتاف والتصفيق، واستقبلنا استقبالا باهرا دهش منه سعد باشا، وقال لي في المقصورة التي كنت فيها معه: بارك الله في هذه الأمة ... حقا يا إسماعيل ... لا بد من قارعة ...!
ومن هذه الليلة بدأت الثورة الوطنية.
إنذار بريطاني!
كانت وزارة دولة حسين رشدي باشا في الحكم، وقد طلبت التصريح لنا بالسفر لمؤتمر الصلح فلم يوافق الإنجليز، ورأت الوزارة أن تستقيل لهذا السبب، وظل الوفد يحاول السماح له بالسفر، فلم يظفر بنتيجة، وتضامن مع الوفد المصري جميع الوزراء السابقين، وسائر الرجال ذوي الكفاية لإدارة البلاد، وامتنعوا عن الاشتراك في تأليف أية وزارة، وبقيت البلاد بلا حكومة مدة من الزمان، وكان لثروت باشا في ذلك موقف رائع، وإن لم يكن موقفه الأوحد.
وقد كانت مصر وقتئذ تحت الأحكام العسكرية، فاستدعانا - نحن رجال الوفد المصري - القائد العام للقوات البريطانية بفندق سافوي يوم 6 مارس سنة 1919، وكان هذا الفندق في المكان الذي تقوم فيه عمارة بهلر في شارع قصر النيل، وألقى علينا البلاغ التالي بالإنجليزية:
علمت أنكم تضعون مسألة الحماية موضع المناقشة، وأنكم تقيمون العقبات في سير الحكومة المصرية تحت الحماية بالسعي في منع تأليف الوزارة.
وحيث إن البلاد تحت الأحكام العسكرية، لهذا يلزمني أن أنذركم أن أي عمل منكم، يرمي إلى عرقلة سير الإدارة يجعلكم عرضة للمعاملة الشديدة بموجب هذه الأحكام.
अज्ञात पृष्ठ