وكانت الكتب المرسلة إلى شيوخ عنزة بهذا النص:
من عبد الله بن الحسين بن علي إلى الشيخ فرحان الأيدي والي الشيخ شهاب الفقير
أما بعد فقد بلغكم عبورنا خط السكة الحجازية بعد أن ظفرنا بأشرف بك في الجنبلة بالحرة ونزلنا بالمربع بوادي العيص. وكتابنا هذا كتاب دعوة لكم للالتحاق بالثورة العربية الحقة في مهلة لا تزداد على العشرة الأيام، تقدموا البت قبل مضيها مقدمين الطاعة مع البرهان بأن تهاجموا خط السكة وتأتوا بأسرى وغنائم. فإن لم تفعلوا ومضت المدة فلا لوم علينا إن نحن استعنا بالله عليكم وصبحناكم. وقد أفلح من اتقى.
فجاء خلال المدة الشيخ فرحان الأيدي سامعا مطيعا، بعد أن هجم على محطة من محطات سكة الحديد تسمى (البغلة) وظفر بمن فيها، وجاء معه مدفعان جبليان اغتنمهما منهم، فوظف قائدا في أراضي عنزة من الجهينة إلى حدود الفقير. وأما شهاب الفقير فكان غائبا عند وصول كتابنا، ولكن حضر أخوه الشيخ متعب الفقير بالنيابة عنه سامعا مطيعا، وقد وعد بأن الحركات ستبتدئ في جبهة الفقرة أيضا عند وصول الشيخ شهاب من الشام. فلم أقبل منه ذلك وقلت: الوعد المدة ولا على شهاب بأس ما دام أنه لدى الأتراك، وأنتم لا لوم عليكم بعد التهديد. وبينما هو يتجهز للرجوع وإذا بخبر ورود شهاب إلى عشيرته يأتي وأنه قد سمع وأطاع وباشر في الحركات. وهكذا ابتدأ الجيش الشرقي يعمل وقد لفت إليه الأنظار، وكان لأسر أشرف بك خبر ابتهاج عظيم في مكة، وفي المعسكرات العربية برابغ وينبع ولدى المحافل البريطانية، لشهرة أشرف هذا وعصابته ولكونه هو الذي صبح فرقة البرنس موريس البلغاري أثناء حرب البلقان وأوقع فيها وشتتها.
ثم إننا قطعنا الخط الحديدي بين محطة أبا النعم وهدية، وهيأنا القوة الكافية للكمون بطرف بئر عروة بالمدينة المنورة في أيام الجمعة، لاختطاف الأمير الشريف حيدر الذي يتنزه هناك بعد ظهر كل جمعة. وقد وصلت تلك القوة بالفعل إلى مكمنها، ولكن الشريف كان قد أخرج من المدينة إلى لبنان خوفا من وقوعه في الأسر إذا حوصرت المدينة. وكان رحمه الله يخدم القضية العربية بأن يقول لكل شيخ جاءه: اذهبوا وسأقابلكم بمكة متى وصلتم. وقد أسر لمن يثق به منهم بأن أعينوا أمراءكم فإن حصل أي فشل فإنني سأجتهد للتخفيف عنكم. رحمه الله.
وهكذا فإن الحركة العربية قد صادفت نجاحا عند اختياري سلوك الطريق الشرقية، وقد تتامت أسباب حصار المدينة بعد ذلك رويدا رويدا. وقد تحركت القوى الأصلية الهاشمية من رابغ يقودها جلالة الملك علي وأمراؤها من النظاميين: نوري باشا السعيد وعلي جودت بك الأيوبي وحامد باشا الوادي وإبراهيم بك الراوي؛ وأما العشائر فحرب وبنو سعد وسليم وهذيل والأشراف، وقد قصدوا قوى الترك الأصلية ببئر درويش وبمجز ومجزان. وكان سمو الأمير زيد يقود الجناح الأيمن. واستمر القتال بين القوتين ثلاثة أيام ظفر فيها الجيش العربي الهاشمي ببئر درويش وبمجز ومجزان، وتراجع فخري باشا إلى الجفر وإلى آبار علي. وقد قال في تقريره لجنوده «إنكم تقاتلون الآن قوة منظمة هي كفء لكم وليست المجادلة الآن بحرب عصابات أو شقاوة».
وظل الحال على هذا المنوال، فقد قصر فخري باشا خط الدفاع وخندق واستحكم. وكانت بالمدينة القوى السفرية تدافع إلى حد تبوك بفرقة ونصف، وكان الجيش الشرقي الذي أقوده بالعيص يدأب على قطع مواصلات القوى السفرية قطعا مستمرا بتدمير خط سكة الحديد الحجازية. ثم تقدم الملك فيصل من الوجه إلى جيدة - موقع يقابل العلا بأرض بلي - وجعل المركز العام له مدينة الوجه الساحلية. وكانت هجمات الجيش الشمالي الذي يقوده الملك فيصل تستمر إلى ذات حاج.
لورنس!
ثم بعد نزولي العيص بأسبوع، وصلت قوة من الجيش الشمالي مركبة من سبعة وعشرين هجانا ومعها الكبتن لورنس، أرسله الملك فيصل بقصد أن يدير حركات التخريبات الفنية على السكة الحديدية. ولم أكن بالفرح المسرور بقدومه حيث علمي بتأثيره المعاكس في العشائر المتعصبة. ولقد قال لي ابن لؤي الوهابي العقيدة: إنكم تقاتلون الترك بسبب أن الألمان استحوذوا على الترك، وهذا من يكون؟ إذا كانوا هم - يعني الألمان - أصحاب الأتراك فهؤلاء أصحابكم، فعلام القتال إذن؟!
وقال لي ناهس الذويبي: من هذا الأحمر القادم وماذا يريد؟! فأشعرتهم كلهم بأنه جاء لتهديم الخط وأنه مهندس وأنه يمثل إنكلترا حليفتنا وصديقتنا وأن الأمر ليس كما تظنون، بل إننا وهؤلاء اتفقنا على عدو لهم وعدو لنا؛ أما أعداؤهم فالألمان وأما أعداؤنا فهم الأتراك حين ذاك. وقلت: أتظنون أن هؤلاء يدفعون أسلحتهم وذخائرهم وأموالهم إليكم بدون أن يروا ما نوقعه في أعدائنا؟! لا يقول هذا إلا جاهل.
अज्ञात पृष्ठ