सऊद नाम की लड़की की डायरी
مذكرات طفلة اسمها سعاد
शैलियों
وتلف أصابعها الصغيرة حول يد أبيها، فإذا ما فلتت منه في الزحام جرت وأمسكت بها قبل أن تفقدها، لكن ما أن تقترب من البيت وترى أمها وهي تطل عليهما من الشرفة تترك يد أبيها وتجري وحدها، وتصعد السلم وحدها، ثم تدق الباب بيدها بقوة.
وركوب القطار أيضا كان يذكرها بلذتها القديمة، وتلك الحركة السريعة التي تبعث في جسدها النشوة، وعقلها يتساءل لماذا تجري أعمدة السواري إلى الوراء بينما يجري القطار إلى الأمام؟ وكيف تجري الأعمدة فوق الأرض بغير عجلات وبغير قضبان كالقطار؟ لكن أباها يقول لها إن الأعمدة ثابتة في الأرض ولا تتحرك، وتندهش وهي تراها تجري إلى الوراء واحدة وراء الأخرى، وما أن يقف القطار حتى تقف هي الأخرى.
هذه المرة لم تر بيت جدتها ذي الباب الخشبي الكبير، ولا عمتها خديجة ولا أولادها ولا الحقل ولا الحمار، وإنما رأت بيتا كبيرا تحوطه حديقة، وباب حديدي كبير يعلوه جرس، يدق كلما فتح الباب أو أغلق.
دخلت وراء أمها وأختها، ومن ورائهما دخل أبوها وأخوها، وأقبل الكلب الكبير ينبح فاتحا فمه الكبير كاشفا عن أنياب طويلة مدببة، التصقت بأمها مذعورة، لكن أمها نهرت الكلب بصوتها العالي: امش يا وولف، وهدأ الكلب على الفور ومسح أنفه في ساق أمها البيضاء السمينة فربتت على رأسه، ودار الكلب عليهم واحدا واحدا يشمه من الأمام والخلف، وتجمدت في مكانها حين لعق الكلب ساقها بلسانه، خشيت أن تحرك ساقها فيفتح الكلب فمه ويلتهمها، في حقل عمها عبد الله كان هناك كلب، لكنه ليس ضخما كهذا الكلب، وفمه ليس كبيرا وليس مخيفا كهذا الفم، وصوته حين ينبح ليس مفزعا ولا غليظا كهذا النباح.
وأقبل رجل نحيف قصير، شعره أبيض، وصوته عال غليظ، يرتدي بيجاما صفراء حريرية، من فوقها معطف حريري أخضر، وسمعت أمها تقول لها: سلمي على جدك يا سعاد، وقبلها جدها على خدها، وشمت رائحة غريبة، ليست مثل رائحة أبيها ولا رائحة أمها ولا رائحة جدتها ، ولكنها مزيج من الدخان والكولونيا وشيء آخر مثل وابور السبرتو، وأقبل شاب طويل وجهه أبيض وشعره أسود غزير، وقالت أمها: سلمي على خالك حسنين، وسلمت عليه، وسمعت صوته العالي الغليظ يشبه صوت جدها.
وجدت بيت جدها واسعا، فيه حجرات كثيرة، وأثاث كثير، والأرض تلمع، ومن فوقها سجاجيد سميكة، والجدران ملونة، علق عليها صور كثيرة لها براويز سميكة مذهبة، وسمعت أباها ينادي جدها «علي بيه» وجدها ينادي أباها «حسن أفندي».
أما جدتها فكانت صامتة طول الوقت، جالسة بجسمها الأبيض الممتلئ داخل رداء حريري أسود، وساقاها السمينتان البيضاوتان داخل جورب شفاف أسود، وجهها مستدير أبيض، بشرتها مترهلة بغير تجاعيد، وعيناها ليس لهما سواد أو بياض مثل عيون الناس، وإنما لهما لون واحد رمادي، كأنما لم تريا النور أو الشمس أبدا، أو كأنما ذاب سوادهما في بياضهما من كثرة البكاء أو طول النوم، يدها البيضاوان السمينتان راقدتان في حجرها، صغيرتان لكنهما مترهلتان بزمن طويل أو بانتظار أطول من الزمن.
لم تكن ترى جدتها إلا جالسة صامتة في ركن الصالة الفسيحة، تتطلع بعينيها الرماديتين من حين إلى حين إلى رقعة الضوء التي تظهر حينما يفتح باب البيت، أما خالتها دولت فلم تكن تراها إلا تتحرك في البيت من حجرة إلى حجرة، تتحدث بصوت عال للخادمة، لم تكن خالتها بيضاء البشرة مثل أمها، ولم تكن ممتلئة الجسم، لكنها كانت نحيفة سمراء وقصيرة مثل جدها، وصوتها عال مثل صوتها، وعيناها واسعتان بياضهما كبير وجاحظ، وسوادهما صغير يتحرك بسرعة داخل البياض كحركة شفتيها وهي تتكلم، وكحركة يديها وذراعيها وهي تمشي وراء الخادمة من حجرة إلى حجرة، تنهرها لأنها لم تنظف النوافذ كما يجب، أو أنها لم تشد ملاءة السرير كما دربتها، أو أنها لم تمسح التراب عن الراديو الكبير بحجم الدولاب في ركن الصالة.
وكان هذا الراديو هو الشيء الوحيد الذي أحبته سعاد في بيت جدها، ولم تكن رأت راديو من قبل، وحين أدار خالها أحد مساميره وانطلق منه الغناء والموسيقى اتسعت عيناها بالدهشة والاستطلاع، وإلى جوار الراديو كان هناك دولاب كبير آخر يسمونه الفونغراف، في أحد جانبيه يد خشبية، يحركها خالها فإذا بالأسطوانة تدور ومن فوق الأسطوانة تدور إبرة رفيعة ثم ينبعث صوت الغناء والموسيقى.
بمجرد أن يصلصل جرس باب الحديقة حتى يرفع خالها الإبرة من فوق الأسطوانة، ويدب الصمت في الصالة الفسيحة، وصوت خالتها العالي ينقطع، وتتوارى الخادمة في المطبخ، وكل شيء داخل البيت يصبح ساكنا صامتا لا يتحرك من مكانه، حتى جدتها تزداد صمتا فوق صمت، وعيناها الرماديتان تكفان عن الحركة وتثبتان، فتصبح بردائها الأسود وجسمها الأبيض كتمثال من الشمع المتشح بالسواد.
अज्ञात पृष्ठ