كنت أجلس في مكتبي وبين يدي كوب الينسون الدافئ الذي يصنعه التمورجي لي بمجرد أن يخرج من العيادة آخر مريض، وأصابعي المتعبة تلتف حول الكوب تلتمس من دفئه بعض الراحة والاسترخاء، ووجهي المرهق يقترب من البخار المتصاعد من الكوب لأشم الينسون الذي أحب رائحته أكثر من مذاقه؛ حين دخل التمورجي وأعلن عن وجود رجل يريد مقابلتي.
ودخل الرجل، وعرفته، فوقفت وصافحته وجلس أمامي، ولمحت الربطة السوداء حول عنقه فقلت له: البقية في حياتك.
قال وهو مطرق: أشكرك يا دكتورة.
وظل مطرقا لحظة طويلة، فأمسكت كوب الينسون وأخذت منه رشفة، ورفع عينيه ونظر إلى الكوب في استطلاع، فسألته: أتشرب كوبا من الينسون؟
ونظر إلي مندهشا وقال: ينسون؟
وضحكت لدهشته فابتسم وقال: جئت لأشكرك. - لم أفعل شيئا. - نزلت من بيتك في هذا الوقت المتأخر. - إنه واجب الطبيب. - قلت لي الحقيقة. - الحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها. - إنه شيء مؤلم جدا.
ولم أرد ... ونظر إلي لحظة ثم قال: ألا تتألمين لمنظر الإنسان وهو يموت؟ - هذا هو أخف ألم في حياتي. - وما هو أقسى من الموت؟ - المرض الذي ليس له دواء، العجز الذي ليس له شفاء، التشويه الذي يصيب الإنسان في جسده أو عقله. - هل رأيت كل هذا؟ - هذه حياتي وحياة كل طبيب. - اعذريني يا دكتورة ... أنا لا أتعامل مع الإنسان الذي هو معرض للمرض والموت، إني أتعامل مع الصحة. - مهندس؟ - نعم.
وسكتنا لحظة ثم قلت له: أنت لم تعرف الألم. - أول مرة في حياتي أرى إنسانا يموت، وأول مرة في حياتي أبكي.
هذا شيء فظيع! إن الحياة قاسية، أشد قسوة من الصخر! - أنت لم تعرف الحياة بعد.
نظر في عيني وهم بأن يقول شيئا ولكنه لم يقل، وخيل إلي أني رأيت في عينيه نظرة غريبة.
अज्ञात पृष्ठ