وهو يقطع الأوراق، ويترجل من فوق القصعة في رداءة مختارة من صوف خشن ... آه؟ غير مقطر مرتين، بل مطحون طحنتين ... ها ... ها ... أدر النبيذ ...»
ولسنا ندري إلى الآن على وجه اليقين، هل أحس المستر طبمن شيئا من الغضب من تلك اللهجة الجدية الآمرة التي طلب بها إليه أن يدير النبيذ الذي طواه الغريب سريعا في جوفه، أم أحس أنه قد أزري فعلا به، وهو العضو الكبير النفوذ في نادي بكوك؛ إذ شبه على هذه الصورة المعيبة بباخوس المترجل عن قصعته، ولكنه أدار النبيذ وسعل سعلتين، ولبث ينظر إلى الرجل عدة ثوان بتجهم شديد وعبوس ظاهر، بينما بدا هذا هادئا كل الهدوء، ساكنا كل السكينة، تحت نظرته الفاحصة وحدجته القاسية.
وخف ما به شيئا فشيئا، فعاد إلى حديث المرقص.
قال: «لقد هممت أن أقول لك يا سيدي إنه إذا كان ثوبي عليك واسعا مفرط السعة، فلعل ثوب صديقي المستر ونكل أليق عليك، وأصلح سمتا.»
وانثنى الرجل الغريب يأخذ مقاس المستر ونكل بنظراته، وما لبث أن تهللت منه الأسارير رضى وارتياحا، وهو يقول: «بالضبط!»
ونظر المستر طبمن حوله فتبين له أن النبيذ الذي أحدث تأثير المنوم الشديد التخدير في كل من المستر سنودجراس والمستر ونكل، قد دب دبيبه في حواس المستر بكوك، فإن ذلك السيد راح ينتقل رويدا من مختلف المراحل التي تسبق الغيبة، من تأثير الطعام ومعقباته، وتحول إلى مرحلة الانتقال العادية من ذروة الفرح والمرح إلى غور الاكتئاب، ومن غور الاكتئاب إلى ذروة الفرح والمرح، وبدا لحظة كمصباح الغاز في الطريق ساطعا وهاجا، إلى حد غير طبيعي، ثم هبط حتى كاد نوره يتوارى وبريقه يخبو، وما هي إلا فترة قصيرة حتى توهج مرة أخرى هنية؛ ليعود فيرفرف، ويخفق، مرسلا ضوءا مترنحا مترقصا، وإذا هو في النهاية ينطفئ جملة واحدة، فقد تراخى رأسه على صدره، ولم يعد من دليل مسموع على وجود ذلك الرجل العظيم غير غطيطه المستمر، إلا من حشرجة عابرة بين الحين والحين.
وكان عامل الإغراء بمشاهدة الرقص، ولتكوين فكرة عن حسان نساء «كنت» قويا في نفس المستر طبمن، كما كان كذلك شديدا في نفس الرجل الغريب، فقد كان المستر طبمن يجهل هذا الموضع كل الجهل، ولا يعرف شيئا مطلقا عن أهله وسكانه، بينما بدا له أن الغريب عليم بهما كل العلم، كأنه أقام في تلك الجهة منذ طفولته.
وكان المستر ونكل نائما، وقد أوتي المستر طبمن قدرا كافيا من الخبرة بهذه المسائل، فلا يخفى عليه أن صاحبه لا يكاد يفتح عينيه وينتبه من غفوته، حتى ينطلق بالطبع متثاقلا إلى فراشه.
ولكنه لبث مترددا لا يقطع في الأمر برأي، وسمع الضيف الذي لا يكل ولا يمل يقول: «املأ كأسك، وأدر الزجاجة.» ففعل ... وجاء تأثير الكأس الأخيرة، فأزال بقية ما في نفسه من التردد، وحفزه إلى الاعتزام؛ فأنشأ يقول: «إن غرفة نوم المستر ونكل داخل غرفتي، ولن يتيسر لي أن أشرح له ما أريد إذا أنا أيقظته الساعة، ولكني أعرف أن لديه ثوب سهرة، قد أودعه جوف حقيبة من قماش، فأي بأس من ارتدائك إياه لدخول المرقص، وخلعه عنك عند عودتك، فأرده إلى صفه، دون حاجة إلى إزعاجه بهذا الأمر ونحوه؟
قال: «إنها لفكرة بديعة بحق ... خطة بارعة! ... يا له من موقف لعين ... أربع عشرة حلة في الصناديق ... وأضطر إلى ارتداء ثوب رجل آخر ... فكرة حسنة جدا ... هذه ... حسنة جدا.»
अज्ञात पृष्ठ