قال: «وكيف كان ذلك؟»
ومضى سام يقول: «كان والدي يسوق مركبة إلى هنا في ذات مرة، فحل موعد الانتخاب، فأستجأره أحد الحزبين لإحضار ناخبين من لندن، وفي الليلة السابقة لموعد انصرافه، بعثت اللجنة الانتخابية لتأييد مرشح الحزب الآخر في طلبه سرا، فذهب مع الرسول، وأدخله الرسول على اللجنة، وكانت تجلس في غرفة واسعة، فرأى خلقا كثيرا فيها، وأكواما من الأوراق والأقلام والمحابر وغيرها، وقال السيد الجالس في كرسي الرياسة: «آه يا مستر ولر، يسرني لقاؤك يا سيدي، كيف حالك؟» وقال والدي: «بخير والحمد لله، أشكرك يا سيدي.» وقال السيد الرئيس: «أرجو أن تكون الأحوال بين بين.» وأجاب والدي: «الحال طيبة، وأشكرك يا سيدي.» وقال السيد: «اجلس يا مستر ولر، أرجوك أن تجلس يا سيدي.» فجلس والدي، وراح هو والسيد يتبادلان النظر طويلا، وبدأ السيد يقول: «ألا تتذكرني؟» وأجاب والدي: «لا أستطيع أن أقول.» وقال السيد: «أنا عارفك ... لقد عرفتك وأنت غلام.» وأجاب والدي: «والله أنا غير متذكر.» وقال السيد: «شيء غريب جدا، لا بد أن تكون ذاكرتك ضعيفة يا مستر ولر.» وأجاب والدي: «ذاكرتي ضعيفة جدا.» وقال السيد: «أعتقد ذلك.» وعندئذ ملئوا له كأسا من النبيذ، وطفقوا يتحدثون معه عن سوقه، ويداعبونه، ويمزحون معه، وأخيرا دسوا ورقة بعشرين جنيها في يده، وعاد السيد يقول: «إن الطريق رديء للغاية من هنا إلى لندن.» وأجاب والدي: «إنه طريق ثقيل في بعض أجزائه.» وقال السيد: «وبالأخص قرب القناة.» وقال والدي: «هذا طريق ملعون جدا.» وقال السيد: «ولكنك يا مستر ولر سواق بارع تحسن استخدام السوط، وتفعل بخيلك ما تشاء، ونحن جميعا نحبك يا مستر ولر، فإذا كان لا بد أن يقع حادث وأنت قادم بأولئك الناخبين إلى هنا، فليكن ذلك الحادث إسقاطهم في القناة، ولكن دون أذى لهم، وهذا المبلغ لمزاجك.» وقال الوالد: «هذا كريم منك يا سيد، وسأشرب كأسا في صحتك.» وراح يشربها، ووضع المال في جيبه، وضم ثوبه عليه، وانحنى مسلما وخرج.»
ومضى سام يقول وهو يلقي على سيده نظرة جريئة صامتة لا يمكن التعبير عنها: «وسوف لا تصدق يا سيدي إذا قلت لك أن المركبة التي جاء فيها بأولئك الناخبين في ذلك اليوم انقلبت عن تلك النقطة عينها، وسقطوا كلهم في القناة ...!»
وأسرع المستر بكوك في سؤاله: «وهل خرجوا منها؟»
وأجاب سام بكل رفق وبطء: «أظن أنه ظهر أن شيخا منهم لم يعثر عليه، ولكني علمت أن قبعته وجدت، وإن لم أكن متأكدا تماما هل كان رأسه فيها أو لا، وكل ما أنا مندهش له هو هذه المصادفة العجيبة المدهشة؛ إن مركبة والدي بعد الذي قاله ذلك السيد رئيس اللجنة الانتخابية قد انقلبت في تلك الجهة بالذات، وفي ذلك اليوم بعينه ...!»
وقال المستر بكوك: «إنه بلا شك ظرف غير مألوف بالمرة، ولكن نظف قبعتي يا سام؛ لأنني أسمع صوت المستر ونكل يناديني إلى الفطور.»
ومضى المستر بكوك بعد هذه الكلمات يهبط السلم إلى قاعة الجلوس؛ حيث وجد طعام الإفطار مهيأ، والأسرة مجتمعة، ولم تلبث الوجبة أن انتهت، وزينت قبعة كل من السيدين بشارة زرقاء بارزة، وكان المستر ونكل قد تعهد بمرافقة السيدة إلى سطح أحد المساكن القريبة من مكان الانتخاب، فذهب المستر بكوك والمستر بت وحدهما إلى فندق «تاون آرمز»، وكان أحد أعضاء لجنة المستر سلمكي واقفا في شرفة خلفية منه يخطب في ستة أولاد صغار وصبية، وهو يمجدهم بين كل عبارة وأخرى من خطابه بمناداتهم: يا رجال «إيتنزول»، فكان أولئك الغلمة يستقبلون هذا اللقب المخلوع به عليهم بأشد الهتاف والتصفيق.
وكان فناء الإسطبلات في الفندق مظهرا صادقا من مظاهر قوة «الزرق»، وروعتهم وجلالهم، فقد كان هنالك جيش منظم من حملة الأعلام الزرقاء، بعضهم يحمل سارية واحدة، والآخرون يحملون ساريتين، وقد ازدانت تلك الأعلام بوسائل مبتكرة، وزخارف مناسبة، وكتب عليها عبارات بحروف مذهبة، وهي ترتفع أربعة أقدام، وتلوح كبيرة الأحجام، كما كانت هناك فرقة موسيقية كبيرة، تتألف من طبول ومزامير وأبواق، ويسير أفرادها أربعة أربعة، ويبرئون ذممهم من الأجر الذي يتقاضونه بحق، ولا سيما الطبالون منهم، فقد كانوا أشداء مفتولي العضلات، إذا صح أن في الناس من يكسب أجره بحق، وكان هنالك أيضا جماعات من المحافظين على النظام يحملون عصيا زرقاء، وأعضاء اللجنة - وهم عشرون عضوا - يضعون أغطية زرقاء حول أعناقهم، وجمع حاشد من السوقة يلبسون قبعات بهذا اللون، وكان هنالك ناخبون على ظهور الخيل، وآخرون مشاة، ومركبة مكشوفة بأربعة جياد لمركب السيد الشريف صمويل سلمكي، وأربع مركبات بحصانين لأصدقائه ومؤيديه، وكانت الأعلام خفاقة، والموسيقى عازفة، والمحافظون على النظام يسبون ويلعنون، وأعضاء اللجنة يتشاحنون ويتشاجرون، والغوغاء يصيحون ويصرخون، والجياد تتواثب وتتراجع، والسائسون تتفصد جباههم عرقا، وكل من في الموضع، وكل ما في الساحة، قد هيئ واجتمع وتوافر لخدمة السيد الشريف صمويل سلمكي ومصلحته، وشرفه وسمعته، وهو أحد المرشحين عن دائرة إيتنزول للنيابة عنها في مجلس العموم ببرلمان المملكة المتحدة.
وتعالت الهتافات واستطالت، وخفقت الرايات - وقد كتب على أديم إحداها «حرية الصحافة» - في اللحظة ذاتها التي أشرف فيها رأس المستر بت الأصفر الشعر على الحاشدين من إحدى الشرفات، على السوقة المحتشدين في الفناء، وما كان أشد الحماسة التي استقبل بها السيد الشريف صمويل سلمكي، وقد تقدم في حذائه الطويل، وغطاء رقبته الأزرق، فتناول يد المستر بت، معبرا في صورة «مسرحية» للمحتشدين في الساحة عن شكره الذي لا يمحوه شيء، ودينه الذي لا يفي به عرفان لجريدة «الغازت إيتنزول».
وانثنى المستر صمويل سلمكي يسأل المستر بركر: «هل كل شيء على ما يرام؟»
अज्ञात पृष्ठ