وعادت السيدة العجوز تقول: «وهل كانت راضية منه بما فعل؟»
وقال الغلام البدين، وقد تسللت بسمة مومضة إلى قسمات وجهه: «لقد رأيتها هي أيضا تقبله!»
ولو استطاع المستر جنجل من مخبئه أن يشهد وجه السيدة العجوز، وما علاه في تلك اللحظة عند سماعها هذا النبأ؛ لانفجرت منه على الأرجح ضحكة مدوية تنم عنه، وتكشف عن مختبئه بجوار تلك العريشة، ولكنه ظل مصغيا مرهفا أذنيه، فسمع عبارات متقطعة كقولها: «بدون إذني ... وفي هذه السن التي وصلت إليها ... وأنا عجوز مدبرة ... كان أولى بها أن تنتظر حتى أموت ...» وعندئذ سمع مواقع حذاء الغلام البدين، ومواطئه فوق الحصباء، وهو منصرف تاركا السيدة العجوز وحدها.
ولعل من أعاجيب المصادفات - وإن كان هو الواقع - أن المستر جنجل كان بعد خمس دقائق من وصوله إلى «ضيعة مانور» في الليلة الماضية قد اعتزم في أعماق نفسه أن يضرب حصارا في الحال حول قلب تلك العمة العانس، فقد كان له من الفطانة ما يكفي لكي يتبين أن طريقته المرتجلة كانت مستحبة لدى موضع هجومه، ومركز حصاره، وكان يساور نفسه شيء أقوى من مجرد الظن أنها تملك أحب ما يقتنى في هذه الدنيا، وأعز ما يملك ... وهو ... المال ... فلم تلبث أن خطرت له فكرة العمل السريع الملح على إزالة منافسه من طريقه بأية وسيلة، فاعتزم في الحال اتخاذ خطط معينة تؤدي إلى تحقيق هذا الهدف، دون إضاعة لحظة واحدة، وقد رأينا فيلدنج
1
يقول لنا: إن مثل الرجل كمثل نار، والمرأة كمثل قطعة صوف، وإن أمير الظلام - أي إبليس - هو الذي يحكمها فيحدث ضوءا، ويبعث وهجا. ولم يكن يخفى على المستر جنجل أن الفتيان للعمات العوانس كالغاز المستعمل للبارود، فانتوى أن يبادر إلى تجربة مدى الانفجار وأثره.
ومضى في زحمة نفسه بالأفكار والخواطر، بعد هذا القرار الخطير الذي اتخذه، يتسلل من مخبئه متسترا بالشجر، حتى اقترب من البيت، والظاهر أن الحظ كان له حليفا، فقد تبين أن المستر طبمن والسادات الآخرين قد غادروا الحديقة من الباب الخلفي في تلك اللحظة بالذات التي دخلها فيها، وعرف أن الفتاتين قد خرجتا وحدهما، عقب تناول الإفطار مباشرة، وأن الجو خال، والظروف مواتية.
ورأى باب قاعة الإفطار مفتوحا قليلا فأطل منه، فوجد العمة العانس تغزل، فسعل، ورفعت بصرها إليه وابتسمت، ولم يكن التردد من خلقه، فوضع أنملته فوق شفتيه بشكل غامض وحركة مجهولة، وتقدم فأغلق الباب.
قال في جد مصطنع: «اغفري لي يا مس واردل تطفلي على قصر العهد بتعارفنا ... لا متسع من الوقت للكلفة ... لقد اكتشفت الأمر كله.»
وقالت العمة العانس بشيء من الدهشة لمباغتته، وظهوره على تلك الصورة الفجائية، وبعض الشك في سلامة عقله: «سيدي!»
अज्ञात पृष्ठ