والمشاهد أن اللاعبين جميعا يفعلون ذلك، حتى ليذهب الظن عامة إلى أنه من المستحيل إجادة المراقبة في أي وضع آخر.
ووقف «الحكام» خلف الشباك، واستعد العداءون لعد الرميات، وعندئذ ساد سكون تتقطع فيه الأنفاس، وارتد المستر لفي بضع خطوات خلف شبكة المستر بدر، وكان هذا قد وقف في مكانه هادئا لا يتحرك، وقرب الكرة من عينه اليمنى عدة ثوان، وانتظر دمكنز مجيئها في طمأنينة واعتداد، وعيناه تراقبان حركات لفي.
وصاح الممسك بالكرة فجأة «العب!» وطارت الكرة من يده رأسا وبسرعة بالغة صوب النقطة الوسطى من الشبكة، وكان دمكنز الفطن المتنبه على الأهبة لها، فسقطت فوق طرف القبعة، ثم قفزت بعيدا فوق رءوس «المراقبين» الذين انحنوا لها كثيرا ليدعوها تطير فوقهم.
وتعالت عندئذ الصيحات متتابعة: «اجر ... اجر ... ضربة أخرى ... والآن اقذفها عاليا ... هيا طوح بها ... قف عندك رمية أخرى ... كلا ... نعم ... كلا ... اقذفها إلى أعلى ... اقذفها إلى أعلى ...»
وانتهت تلك الصيحات بفوز فريق ماجلتون بهدفين، ولم يتخلف بدر أو يتوان في الظفر بأكاليل الغار للإشادة بذكره، وكسب المجد لبلدته، فجعل يحتجز الكرات المشكوك فيها، ويتخلى عن الكرات الرديئة، ويتوخى الجيدة منها، فيرسلها طائرة في مختلف أرجاء الملعب، وكان «المراقبون» قد عرقوا وسخنوا واستولى التعب عليهم، واستبدل برماة الكرة آخرون، وظلوا يطوحون بها حتى خدرت أذرعهم، ولكن دكنز وبدر ظلا غالبين لا قاهر لهما، وكلما حاول سيد متقدم في السن أن يوقف سير الكرة، تدحرجت من خلال ساقيه، أو تسربت من بين أنامله، وكلما حاول سيد ناحل الإمساك بها، ضربته على أنفه، ثم قفزت لاهية مداعبة، وهي أشد من قبل وثبا وقفزا، تاركة الرجل مغرورق العين بالدمع، متلويا من الألم، وكلما طوحت رأسا صوب الشبكة، وصل دمكنز إليها قبل وصول الكرة ... وجملة القول: أن لاعبي فريق ماجلتون بفضل براعة دمكنز، وحذق «بدر»، ظفروا بنحو أربع وخمسين رمية صائبة، بينما كان حساب ما فاز به لاعبو «دنجلي ديل» فارغا، أو ظل على «بياض» كشحوب وجوههم، وكان تفوق غرمائهم أكبر من أن يحاولوا التغلب عليه، وذهبت سدى كل جهود «لفي» الصادقة، وحماسة «استرجلز» المتقدة، في حشد كل ما في وسع البراعة والخبرة أن تبذلاه، أو تستعينا به لاسترداد الأرض التي فقدها فريقهما ... ولم تجد المحاولات كلها نفعا، فما لبث لاعبو «دنجلي ديل» أن استسلموا، وتركوا فريق «ماجلتون» يظهرون من براعتهم الفائقة ما هم مظهروه.
وكان الغريب طيلة الوقت مقبلا على الطعام والشراب والكلام، لا ينثني لحظة عنها ولا يكف، وكلما شهد رمية طيبة أبدى ارتياحه ورضاه عن لاعبها، في لهجة المتنزل من عليائه، المتبرع بعطفه ورعايته، مما سر كثيرا الفريق الذي ينتمي ذلك اللاعب إليه، بينما كان يقابل كل محاولة خائبة، أو يقتصر في وقف الكرة بالتعبير عن استيائه الشخصي من ذلك اللاعب المسيء، أو المحاول الفاشل في عبارات غريبة، كقوله: «آه يا غبي ... والآن ... خسئت يا طري اليد ... مغفل مخادع ...» وما إليها من عبارات، جعلته يبدو في أعين جميع المحيطين به كأبدع خبير، لا تنكر خبرته بسائر فنون الكريكت وأسرارها.
وازدحمت الخيمة بكلا الفريقين المتبارين عقب انتهاء المباراة، فأنشأ الغريب يقول: «مباراة مفتخرة ... لعبت بإجادة ... بعض الألعاب تستحق الإعجاب ...»
وهنا سأله المستر واردل، وقد سرته كثيرا ثرثرته وهذره: «هل سبق لك يا سيدي أن لعبتها؟»
قال: «لعبتها؟ ... أظن أنني لعبتها آلاف المرات ... ليس هنا ... بل في جزر الهند الغربية ... شيء مثير ... نضال حام متوقد ... جدا ...»
وقال المستر بكوك: «لا بد من أن يكون اللعب رياضة دافئة في مناخ كهذا؟»
अज्ञात पृष्ठ