التيرو؟ أقسم لك أيها القارئ أني غالطت سمعي، وسألت مرة ثانية قائلا بعد أن أحنيت رأسي لأسمع: سيادتك بتقولي على فين؟ - شيء غريب! على التيرو، أنت ما بتسمعش؟
والله ما كان يخطر لي على بال أنا العربجي الذي أقضي أكثر أوقاتي في معاشرة البهائم أنه يقصد سيداتنا عمدا مع توفر «سوء القصد أو النية».
وفي عصرية من رمضان هذه البؤر التي أولها «أونطة» وآخرها موت وخراب ديار مع ما يتخلل ذلك من إراقة ماء الوجه، وبالاختصار يسدل الستار أخيرا على بيع العرض، و«طيران» العقل، وخراب البيوت المستعجل.
سارت الخيل تسابق الريح حسب الأمر، وأنا أحدث نفسي قائلا: والله طيب يا حنفي، ياما لسة نشوف، ثلاث سيدات من صميم الأحياء الوطنية يخرجن من بيوتهن، ويسافرن إلى آخر القاهرة بقصد المقامرة، ومهما كسبت الواحدة منهن فهي أولا وأخيرا «خسرانة خسرانة» ولكن أنا مالي «سيبك» الأجرة مدفوعة «وليحيا الرجال العاملون».
ووصلن التيرو أخيرا، ونزلن بسرعة، وأمرتني بالانتظار، ولا أطول عليك، فقد خرجن «يا ربي كما خلقتني» ويظهر أن ترمومتر الخسارة هبط إلى درجة عدم وجود أجرتي؛ لأني سمعت واحدة من الثلاثة تقول: نفوت بقى على ... هانم في شكولاني ناخد منها جنيه «ثم بصوت واطي» نديله أجرته ونصرفه، وقد كان، وسترها ربك، وخلصت بأجرتي من مال السلف.
إني أحس بالاندهاش يعلو أساريرك أيها القارئ؛ لأن ربات البيوت عندنا وصل بهن الأمر إلى المجازفة حتى بمصروف البيت مثلا، ولكن يظهر أننا تقدمنا في كل شيء حتى في الجراءة «والوقاحة» إذا شئت، وإليك الحادثة الآتية دليلا لا أنساه على ما نحن فيه وما وصلنا إليه.
كنت سائرا في شارع خيرت، فنادتني سيدة «بملاية لف» هي مثال الحشمة والأدب، تظهر عليها آثار النعمة والوجاهة، وبيدها نسخة من مقطم المساء، ركبت معي بكل تؤدة، وأمرتني أن أسير بها إلى شارع بولاق، وهناك أمام دكان شملا، والعالم يموج موجا، نزلت سيدتي المهذبة صاحبة العفة.
ولكنها لم تكن هي التي ركبت معي، فقد تغيرت كل المعالم فاختفت الملاية اللف، ولم يبق أثر للبرقع الأسود ولا القصبة المذهبة، ورأيتها بحبرة وبرقع أبيض، وفي يمينها جرنال المقطم ملفوف فيه رداء التنكر الذي خلعته.
ولاحظت هي دهشتي، وتكذبني عيناي وخوفي من أنها ربما كانت من قلم المخابرات، فنظرت إلي قائلة: خذ الأجرة، الله! جرى لك إيه يا أسطى؟ - أنا ما جراليش حاجة يا ستي، لكن أنت إيه اللي جرالك؟ - امسك أجرتك وبلاش قلة حيا، أما مجنون!
واختفت من أمامي داخل محل شملا، وأنا لا أزال منذهلا! أفكر وأبحث عن الأسباب التي ألجأت هذه السيدة إلى تغيير وتبديل شكلها، وأخيرا نبهني زميل لي لاحظ الحادثة قائلا: ما لك مبلم يا بو محمود؟ يظهر إن الست اللي معاك عصبية قوي! - عصبية إيه يا عبد الغني، دي ركبت بملاية لف، ونزلت بحبرة، خذ بالك منها، يمكن تطلع لابسة برنيطة، أما الستات دول نكتة قوي، سعيدة.
अज्ञात पृष्ठ