मेरी यादें 1889-1951
مذكراتي ١٨٨٩–١٩٥١
शैलियों
عندما تتشابه الأسماء.
وقد سبب هذا التشابه في أسمائنا سلسلة من الحوادث الطريفة؛ فكثيرا ما يحدث اللبس بيننا في المكالمات التليفونية وفي الخطابات الخاصة والعامة؛ ففي التليفون يسألني الكثيرون على اعتبار أني عبد الرحمن بك الرافعي وكيل محكمة الاستئناف «والأفوكاتو العمومي ورئيس النيابة من قبل»، أو على اعتبار أني الدكتور عبد الرحمن الرافعي، فأجيبهم بلطف أن «النمرة غلط» وأني لست المقصود بالكلام وأرشدهم عن مقصدهم، والخطابات قد ترد لنا خطأ فيعيدها كل منا إلى المقصود بالخطاب. وقد حدث في سنة لا أذكرها أن قرأ صاحب قضية هامة في الصحف نبأ تعيين «عبد الرحمن الرافعي بك» رئيسا لنيابة مصر، فانزعج لهذا الخبر، وكنت وكيله في هذه القضية، وكانت في آخر مراحلها، وظن أنه سيتعذر علي أن أترافع فيها في اليوم الموعود بعد تعييني رئيسا للنيابة، وراح يبدي دهشته ويقول: كيف يقبل الرافعي أن يكون رئيسا للنيابة وهو الذي اعتذر عن منصب الوزارة؟! وهرول إلى مكتبي يسأل عن الخبر ليطمئن على قضيته، فرآني على مكتبي، واطمأن بعد أن فهم أن رئيس النيابة هو ابن عمي.
وكثيرا ما ألبي نداء التليفون، فإذا بالمتكلم يستنجد بي لإسعاف مريض أو لإنقاذ سيدة مشرفة على الوضع، فأفهمه أني لست الدكتور بل المحامي، وأرشده إلى رقم تليفون الدكتور عبد الرحمن الرافعي.
وأذكر ذات مرة أن الدكتور احتفل بزواج كريمته ونشر نبأ الزواج في الصحف، وإذا بي أتلقى رسائل وبرقيات التهاني، وعلى الرغم من أن اسمه ذكر مسبوقا بكلمة «دكتور» إلا أن الذين هنئوني لم يترددوا في الأمر؛ إذ ظنوا أني أنا المقصود وأني لا بد أن أكون دكتورا في القانون! وكان في مقدمة الرسائل خطاب من المغفور له الأمير عمر طوسون، وقد رأيت أنه ليس من اللائق أن أكتفي بإحالة خطابه إلى الدكتور الرافعي، فكتبت لسموه خطابا رقيقا شكرته فيه بالنيابة عن قريبي الدكتور، وأرسل إليه الدكتور من ناحيته خطاب شكر آخر على تهنئته.
عندما دخلت الوزارة
سنة 1949
كنت أصطاف في الإسكندرية سنة 1949 حينما استقالت وزارة إبراهيم عبد الهادي باشا يوم 25 يوليو، وقد عهد جلالة الملك إلى حسين سري باشا تأليف الوزارة الجديدة، وهي وزارة ائتلافية تمثل الوفد والسعديين والأحرار الدستوريين والحزب الوطني والمستقلين. ودعاني سري باشا إلى الاشتراك في هذه الوزارة، وإذ كان لا يعرف المنزل الذي أصطاف فيه (رقم 143 بشارع الأميرة فوزية بسيدي بشر) فقد عهد إلى أحد ضباط حرس الوزارة أن يستقل سيارة حكومية ليبلغني رغبته في مقابلته بدار الوزارة ببولكلي، فجاء الضابط إلى المنزل حوالي الظهر يوم 26 يوليو وسأل عني، فقيل له إني أتريض على الكورنيش وإني أعود بعد ساعة. فقال إن الأمر مستعجل فأرجو أن تعرفوني في أي جهة من الكورنيش يتريض «وليحضر معي خادم ليعرفني به.» فاصطحبه أحد الخدم في السيارة وذهب معه إلى الكورنيش، وما هي إلا بضع دقائق حتى رأياني عائدا إلى المنزل، فوقفت السيارة ونزل الضابط والخادم. وحياني الضابط وأبلغني رغبة سري باشا في أن أقابله الآن، وبعد أن عدت إلى المنزل ذهبت معه إلى دار الوزارة، ووجدت هناك جمعا من الصحفيين فقابلوني متهللين وقالوا لي: مبروك! فقلت: على إيه؟ فقالوا: مبروك الوزارة! وكنا في آخر أيام رمضان (وقفة العيد)، فقلت لهم: غدا العيد فمبروك العيد! ثم دلفت إلى مكتب رئيس الوزارة وقابلت سري باشا، وبعد تبادل التحية قال لي: هل تكون ثقيلا هذه المرة أيضا؟ فقلت: أنا لست ثقيلا ولم أكن ثقيلا في المرة الماضية، إشارة إلى اعتذاري عن دخولي وزارته الأولى سنة 1940. واستوضحته برنامج الوزارة فأفهمني أنها وزارة قومية تعمل على توحيد الصفوف وائتلاف الأحزاب وإجراء انتخابات حرة، ألا توافق على ذلك؟ قلت: بل أغتبط به وأؤيده، ولكن ما هو موقف الوزارة تجاه معاهدة سنة 1936؟ فقال: إني أعتبرها غير قائمة لأن البلاد أعلنت ذلك، وإن وزارتي مع أنها وزارة انتقال فإنها متمسكة بالجلاء ووحدة وادي النيل. فقلت: على بركة الله أقبل، وسألته في تلطف: وكم يكون للحزب الوطني من مقاعد في الوزارة؟ قال: مقعدان، وهذا تمييز مني للحزب الوطني فقد كان له في الوزارة السابقة وزيران في حين كان للأحرار الدستوريين ستة وزراء، وكذلك للسعديين، والآن سيكون له وزيران في حين أن لكل من الوفد والأحرار الدستوريين والسعديين أربعة وزراء؛ أي إن نسبة الحزب قد ارتفعت في وزارتي. فشكرته على حديثه وعلى ثقته بشخصي ورجوت له التوفيق في مهمته، واستغرقت المقابلة نحو عشرين دقيقة، وانصرفت. فتلقاني الصحفيون بالأسئلة والاستيضاحات وعبارات «مبروك»، فتخلصت من زحمة الأسئلة بقولي: إن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد مشاورة. فقالوا: نريد أن نقول مبروك يا معالي الوزير، فأعدت عليهم قولي: مبروك على العيد لأن غدا يوم العيد. فقالوا: بل نقصد الوزارة.
عدت إلى منزلي وأخبرت زوجتي بما حدث. فقالت: وهل قبلت الوزارة؟ قلت: نعم. قالت: ولكنك رفضتها فيما مضى. قلت: إن الظروف تغيرت؛ لأن برنامج الوزارة الجديدة لا يتعارض مع مبادئنا، ومع ذلك فإن الأمر لا يزال في دور المشاورة، فماذا ترين؟ قالت: إني أرى ما تراه فلتقبل على بركة الله. فارتاحت نفسي لهذا الجواب، ولم أخبر أحدا بالأمر. ومن حسن الحظ لم يكن بالمنزل الذي أصطاف فيه تليفون فتخلصت بذلك من الأسئلة والأجوبة، إلى أن كانت الساعة العاشرة مساء وإذا بطرق شديد على الباب، ففتحنا ووجدنا ضابطا آخر غير الذي جاء ظهرا يصحبه أحد أقربائي، وكان الضابط قد ظل يبحث عن منزلي ليلا أكثر من ساعة وهو لا يهتدي إليه، إلى أن دله الناس على رافعي آخر هو الأستاذ جلال الرافعي، فطلب إليه في لهفة أن يصحبه إلى منزلي، فجاء معه وهنأني الاثنان بالوزارة، ورجاني الضابط أن أسرع في ارتداء ملابسي لحلف اليمين أمام جلالة الملك، فقلت له: ولكن ليس عندي هنا ردنجوت. فأجابني: لا لزوم لها، والتعليمات أن يحضر أصحاب المعالي الوزراء بأي ملابس رسمية أو غير رسمية لأداء اليمين الليلة، فذهبت مع الضابط في سيارة الحكومة إلى دار الوزارة متأخرين ووجدنا أن الوزراء قد سبقونا إلى سراي رأس التين فلحقنا بهم وهناك أقسمنا اليمين بين يدي جلالة الملك.
توليت وزارة التموين، وبدأت في فترة العيد أصرف بعض شئون الوزارة المستعجلة.
وقد قوبل دخولي الوزارة بارتياح عام، على أن صديقي محمد محمود جلال بك والأستاذ محمود العمري لم يوافقاني على الاشتراك في الوزارة، وأرسل لي جلال بك خطابا رقيقا من جنيف يطلب مني فيه الاستقالة من الوزارة، وطلب مني ذلك أيضا الأستاذ محمود العمري، ونظريتهما أن الاشتراك في الوزارة أيا كان برنامجها يتعارض مع سياسة الحزب الوطني، ولم يقنعاني برأيهما ولا أقنعتهما برأيي. أما نظريتي فهي أن الأمر مرجعه إلى برنامج الوزارة وسياستها، ورأيت في نظريتهما تشددا لم أقره، وأنا بطبعي أميل إلى الاعتدال وأراه أقرب إلى نشر الدعوة الوطنية واجتذاب الأنصار إليها، ومع اختلافي وإياهما في الرأي فقد حفظت لهما خالص الود والتقدير. ويطيب لي في هذه المناسبة أن أنوه بفضل الأستاذ محمود العمري؛ فهو من الوطنيين الملهمين المغمورين في زحمة البلبلة والهرجلة التي يعيش فيها المجتمع، وقد اعتدت أن أشاوره في المسائل الهامة التي تحدثت فيها بمجلس الشيوخ وأفيد من أفكاره وآرائه ونظراته فيها، كبطلان المعاهدة، والتضخم النقدي، والأرصدة الإسترلينية، والمعاهدات ومواثيق الضمان، والميزانية، والمسائل الاجتماعية، وما إلى ذلك. (1) مشاهداتي في الوزارة
अज्ञात पृष्ठ