मेरी यादें 1889-1951
مذكراتي ١٨٨٩–١٩٥١
शैलियों
وقال صبري أبو علم: «إذا كان حضرة الزميل المحترم يريد أن يتكلم عن المعاهدة فالطريق الذي يجب أن يسلكه هو أن يقدم اقتراحا بما يريده، لأننا لو أبحنا المناقشة في المعاهدة في كل مناسبة لما انتهينا من ذلك.»
فانبرى بهي الدين بركات باشا يدفع عني هذه المقاطعات وقال: إن «لكل نائب ولكل شيخ الحق كل الحق عند مناقشة خطاب العرش أن يدلي بما يعن له من الآراء وأن يناقش كل مسألة يريد أن يعرض لها، وأنا وإن كنت لا أوافق حضرة الزميل المحترم على بعض آرائه لكني أرى أن من حقه المطلق أن يعارض أية سياسة سواء أكانت متعلقة بالمعاهدة أم غير متعلقة بها.» إلى أن قال: «أقول إنه لا حرج عليه في ذلك مطلقا، ويجب أن نصغي إليه ولا نقاطعه لأن لكل أقلية حقوقا يجب أن تحترم. إن النظام البرلماني لم يوجد إلا لكي يفسح المجال للأقليات ليكون لها صوت محترم يسمع؛ لأن هذا هو أبرز فارق بين الحكم الدكتاتوري والحكم الديمقراطي. أما القول بتقديس معاهدة أو تقديس رأي سياسي معين أيا كان فهذا ليس من النظم البرلمانية أو الديمقراطية في شيء ويجب أن يستبعد من الأذهان.»
وهنا عاد رئيس المجلس إلى الاعتراض قائلا: «إن المسألة ليست مسألة الكلام عن الأقلية أو الأغلبية، ولكن نحن في صدد مناقشة رأي في ذاته، وقد طلبت من حضرة الزميل المحترم أن يحدد رأيه: هل يريد الاعتراض على المعاهدة أو على تنفيذها، أو هل له رغبة في تعديلها؟ طلبت منه أن يحدد أقواله بالدقة حتى يتيسر لنا متابعة آرائه.»
فقلت: «أنا أعترض على المعاهدة.»
وهنا قال صبري أبو علم: «اعترضت ولا أزال أعترض على أن تدور المناقشة على أساس تجاهل معاهدة عقدناها وأقرها البرلمان لأنها تتضمن سياسة ارتبط بها شرف مصر (تأمل!) أما أن تتخذ من خطاب العرش وسيلة للطعن على معاهدة أقررناها ومتوجة بإمضاء جلالة الملك فهذا الوضع لا يمكن أن تقره الحكومة، أما الاقتراح بالتعديل أو الإلغاء فبابه مفتوح.»
وانتهيت من كلامي إلى أني لا أقر خطاب العرش ولا مشروع الرد عليه.
وكان موقف حكومة الوفد في هذه المناقشة موقف تأييد ودفاع وتدعيم للمعاهدة التي أهدرت الجلاء ووحدة وادي النيل.
وبجلسة 8 ديسمبر سنة 1942 لمناسبة الرد على خطاب العرش أيضا في عهد الوزارة الوفدية، قلت في الرد على هذا الخطاب: «أنتقل الآن إلى القسم الخارجي من خطاب العرش، إن نقطة الارتكاز فيه هي معاهدة سنة 1936، وحضراتكم تعلمون وجهة نظرنا فيها، وهي أننا لم نقبلها ولم نقرها لأنها تتعارض مع الجلاء الذي هو أساس مبادئنا، وتتعارض مع ارتباط السودان بمصر، فتعارضها مع هذين المبدأين الأساسيين جعلنا نقف منها هذا الموقف، والجلاء في نظرنا مرادف للاستقلال، وأرجو ألا يتطرق إلى بعض الأذهان أنني إذ أتكلم في هذه النقطة أنشد الخيال؛ لا يا حضرات الزملاء! أنا أتكلم عن عقيدة وعن حقيقة ثابتة، وأضيف إلى ذلك أنكم أدرى بأن التطورات الدولية التي ستعقب هذه الحرب ستكون فيما أعتقد محققة لهذه المبادئ، كمبدأ الجلاء ووحدة وادي النيل السياسية والتاريخية والجغرافية. ولا أخفي على حضراتكم أن من ضمن أسباب الحروب التي تشكو منها الإنسانية نزعة الاستعمار، نزعة تغلب القوي على الضعيف، وهذه النزعة بدأ يظهر لها خصوم أقوياء في صفوف الديمقراطية، وهم يعتقدون بحق أن سلام العالم وراحته وطمأنينته لا تتحقق إلا بالعدول عن هذه النزعة؛ لأن ما كان يصلح في القرنين السابع عشر والثامن عشر لم يعد يصلح مطلقا لهذا العصر، بل إن هذه النزعة كانت سببا في تقلقل السلام في العالم؛ فما علينا إلا أن نتمسك بمبدأ الجلاء ووحدة وادي النيل، وسيأتي اليوم الذي يتحقق فيه هذا المبدأ.»
وقلت يوم 29 ديسمبر سنة 1943 في جلسة الرد على خطاب العرش أيضا: «لقد استوقف نظري في خطاب العرش ما جاء في ختامه من أن مصر أو الشعب المصري يحرص كل الحرص على أن يتمتع باستقلاله تاما كاملا لا تشوبه أية شائبة. وقد تساءلت عندما سمعت هذه الفقرة وتلوتها مرة أخرى في خطاب العرش: كيف يمكن أن يتحقق الاستقلال تاما لا تشوبه أية شائبة بدون الجلاء؟ إن الاستقلال الصحيح لا يتحقق ولا يكون تاما كاملا لا تشوبه أية شائبة إلا إذا تحقق الجلاء.
يا حضرات الزملاء الأعزاء! لقد دافعت غير مرة عن قضية الجلاء من فوق هذا المنبر، وأراني أشعر كل يوم أنا وزملائي أننا إنما ندافع عن قضية عادلة حقة، قضية هي لب الاستقلال وجوهره، ولا يمكن مطلقا أن بلدا من البلدان يتمتع باستقلاله تاما كاملا لا تشوبه أية شائبة إلا إذا تحقق الجلاء فعلا. ولا تظنوا أيها السادة أن مثل هذه الدعوة والمجاهرة بها تسيء إلى الصداقة بين مصر وبريطانيا؛ فإن الصداقة الحقيقية هي التي تبنى على الاحترام المتبادل للحقوق بين الأمم، وهذا هو الأساس الصحيح للصداقة بين الأمم، هذا هو الأساس الذي يجب أن يبنى عليه نظام العالم الجديد.
अज्ञात पृष्ठ