मेरी यादें 1889-1951
مذكراتي ١٨٨٩–١٩٥١
शैलियों
وقعت أزمة سياسية في يونيو سنة 1924 على أثر منع حكومة السودان سفر وفد يمثل خيرة رجاله المؤيدين لارتباطه بمصر والمقاومين للحركة الانفصالية التي دبرها الإنجليز هناك؛ فقد منعت سفر هذا الوفد إلى مصر، ولم تكتف بذلك بل اعتقلت بعض أعضائه، وفي الوقت نفسه أخذت تستكتب صنائعها عرائض بالولاء للحكم البريطاني.
كان لهذه الأزمة صداها في مجلس النواب بجلسة 23 يونيو سنة 1924، وكانت من أهم جلسات البرلمان، تكلمت فيها، وتكلم فيها أيضا عبد اللطيف الصوفاني بك، ومما قلت في كلمتي: «إن البرلمان كما قال دولة الرئيس هو ضمير الأمة، وهو قلبها الخفاق، وفي هذه الأيام تدور حوادث خطيرة في السودان؛ إذ تقوم هناك حركتان متناقضتان: حركة طبيعية صادرة من أحشاء الشعب السوداني، وحركة مصطنعة تقوم بها السلطة الإنجليزية.
أما الحركة الطبيعية فهي التي عرفناها من التلغراف الوارد على المجلس من جماعة من رجالات السودان وذوي الرأي فيه ينادون بأنهم ألفوا وفدا بقصد الحضور لمصر لإظهار ولائهم لمصر ولمليك البلاد فمنعتهم القوة من اجتياز بلادهم ومنعتهم عن أداء هذه المهمة الوطنية.
أما الحركة المصطنعة فتدبرها السلطة الإنجليزية؛ فقد أوعزت إلى صنائعها وبعض موظفي السودان بعقد اجتماع صوري يتظاهرون فيه بالولاء للحكم الإنجليزي، فهذه حركة لا يمكن السكوت عليها لأن الحوادث التي تقع في السودان الآن إنما يقصد بها الاعتداء على حقوق مصر والسودان وعلى حقوق السيادة المصرية، وإذا قلت السيادة المصرية فلا أرمي إلى الاستعمار والتحكم، وإنما أقصد بالسيادة حقوق الولاية العامة التي يشترك فيها المصريون والسودانيون على السواء.
فإزاء هذه الحركة يجب أن نحتج ونعلن للعالم أجمع رأينا صراحة بأن الحركة التي يدبرها الإنكليز مصطنعة وأن الحركة الطبيعية هي التي ظهرت في التلغراف الوارد علينا.
سادتي: يجب أن نعلن العالم أننا أول من يهمه عمران السودان وتقدمه، وإن التاريخ شاهد على أننا كنا على الدوام عونا للعمران في السودان، وما تدعيه السياسة الإنجليزية من أن بقاء سيادتها هو لمصلحة العمران في تلك البلاد قول مكذوب؛ لأن المصريين هم الذين مدوا السكك الحديدية وشيدوا القصور والبنايات وفتحوا المدارس وشقوا الترع وأقاموا السدود والجسور على النيل وثبتوا كل دعائم العمران في السودان وضحوا في سبيل ذلك بحياتهم وأموالهم.» إلى أن قلت: «فأضم صوتي إلى الصوفاني بك وأطلب من حضراتكم أن تحتجوا على هذا العمل كما احتجت الأمة المصرية في أبريل سنة 1922 عندما أقام الإنكليز حركة مصطنعة شبيهة بهذه الحركة كان من جرائها محاكمة الضابط السوداني علي عبد اللطيف؛ لأنه لما رأى أن الإنجليز ساعون للقيام بهذه الحركة تظاهر مع جماعة من إخوانه وأعلنوا عن عواطفهم وأظهروا تمسكهم بمصر وبالولاء لعرش مصر، وأظهروا علنا أن كل هذه الحركات التي يقوم بها الإنجليز حركات مصطنعة. ومما يشجعنا على طلب الاحتجاج وعلى رجاء الحكومة بأن تقوم بواجب الاحتجاج وأن تضع حدا لهذه المسائل، أن معالي مرقس حنا باشا (وزير الأشغال وقتئذ) وقت أن كان نقيبا للمحامين تطوع للدفاع عن علي أفندي عبد اللطيف وعزم على السفر للخرطوم ولم يمنعه إلا أنه فوجئ بتلغراف ينبئه بصدور الحكم على الضابط السوداني. وأظن أن هذا الاحتجاج نشترك فيه جميعا؛ إذ لا يوجد أي خلاف بيننا، ونحن نصرح علنا بأننا نؤيد الوزارة كل التأييد في الدفاع عن حقوق مصر والسودان ونؤيدها في ذلك بكل إخلاص.»
وقد عقب سعد على أقوال خطباء هذه الجلسة بكلمة قال فيها: «تحركت مسألة السودان اليوم ولم تكن الحكومة مستعدة لأن تقول رأيها فيها، ولكني مع ذلك يمكنني أن أصرح لحضراتكم بأن الحكومة تشارككم كل المشاركة في شعوركم بالنسبة للسودان، بل تنظر بعين المقت لكل عمل من شأنه أن يفصل السودان عن مصر.
والإجراءات التي تتم الآن في السودان كما قال حضرة العضو المحترم عبد الرحمن الرافعي بك على نوعين؛ الأول: وثائق تكتب واجتماعات تعقد لإظهار الولاء للحكومة الإنجليزية والرغبة عن الحكومة المصرية، والثاني: منع الذين يريدون أن يقدموا ولاءهم للحكومة بالحضور إلى مصر. فأما القسم الأول وهو عقد الاجتماعات أو اختلاس الثقة لأجل إعلان الامتنان من الحكومة الإنجليزية؛ فإنا نصرح هنا وفي كل مكان بأنه باطل ولا يعتبر حجة علينا.
إذا قدمت هذه الأوراق أمام أي محكمة أو أي هيئة وحصل التمسك بها، فلسان مصر يقول إنها أوراق باطلة لأنها لم تؤخذ بالحرية المطلقة وأنه يجب قبل التمسك بها أن يكون السودان خاليا من كل حكومة أجنبية.
أنا في تصريحي هذا منضم إليكم فيما أعلنتم من أن هذه الوثائق وهذه الأوراق وهذه الاجتماعات لا قيمة لها مطلقا، وهذا كاف (أصوات: بدون شك).
अज्ञात पृष्ठ