मुधक्किरात नजीब अल-रिहानी
مذكرات نجيب الريحاني
शैलियों
بعد أن أنهينا عملنا في بلاد الجمهورية الفضية (الأرجنتين)، عولنا على العودة من نفس الطريق، ولنأخذ الخط إيابا كما قطعناه ذهابا، فنزلنا أولا في أرجواي، وهناك أحيينا حفلتين في (مونتفيديو)، ثم قصدنا إلى البرازيل، فلما حططنا الرحال في عاصمتها (ريودي جانيرو)، وجدنا ترحيبا لا داعي لوصفه، ووجدنا كذلك رغبة من الجمهور في معاودة التمثيل، فوافقت هذه الرغبة هوى في نفوسنا، ولم نتردد في القبول، وفي مدينة ريودي جانيرو تياترو اسمه المسرح الإمبراطوري، لم أجد له مثيلا في أية ناحية من نواحي العالم، لا سيما في اتساعه وكثرة مقاصيره ومقاعده، ذلك الاتساع الذي تأكدنا لأول وهلة أن الجماهير مهما احتشدت فلن يمتلئ بها أبدا.
استأجرنا هذا التياترو، وقلنا إننا نحسد إذا استطعنا أن نجد متفرجين يملئون ربع مقاعده. فلما جاء يوم الشباك، وذهبت في الساعة الثامنة صباحا لأسلم التذاكر لعامل الشباك، راعني أن أجد زحاما لم يسبق لي عهد به، لا في تلك المدينة حين نزلناها أول مرة، ولا في غيرها من المدن التي ارتدناها.
مفاجأة!
وقبل الغروب قصدت إلى التياترو فآلمني أن أجد ساحته أفرغ من فؤاد أم موسى. يا لله أين ذهب القوم الذين احتشدوا صباحا؟ وهل كانت مجرد مظاهرة قاموا بها ثم «افرنقعوا بعد أن تكأكئوا على المسرح كتكأكئهم على ذي جنة»!!
شايفين الجملة يا خلق؟ أهو كل يوم من ده. أما أشوف بقى أنا والا المجمع بتاعكم!! القصد نرجع إلى لغتنا العربية المفهومة، فأقول إنني أخذت بحالة الهدوء السائد حول المسرح، وقلت والله باين ختامه قرف وليس مسكا! فلما وصلت إلى شباك التذاكر للاطمئنان على الحالة، لم أجد العامل في مكانه، بل وفوق ذلك وجدت الشباك مقفلا!!
يا دي الوقعة اللي زي بعضها يا عالم!! إيه الحكاية؟ وما التدبير وما العمل؟ على رأي المرحوم الشيخ سلامة حجازي!؟ أخيرا عثرت بعامل الشباك في مقهى مجاور للتياترو!! أنت فين يا بني؟ وهل ده وقت قعدة القهوة؟ وكيف تقفل الشباك في مثل هذا الوقت، ثم تأتي للسرمحة والقنزحة والمش عارف إيه؟؟ وبكل ثبات أجابني العامل: «لقد أقفلت الشباك بعد أن انتهت مأموريتي، لأن جميع التذاكر قد نفدت!!».
نفدت ... نفدت؟ وأظن يا إخواني لو جمعنا سكان البرازيل، واستلفنا عليهم كبشتين تلاته من سكان الأرجنتين وأرجواي، يمكن ما يملوش التياترو!! القصد. جاء أوان التمثيل فنظرت من خلال فجوة صغيرة في الستار، فرأيت الجماهير كالنمل الزاحف، والمقاعد ليس بينها واحد خلا من صاحبه. ونجحنا بحمد الله، ثم اتخذنا طريقنا إلى سان باولو، حيث حالفنا النجاح كذلك، وواصلنا طريق العودة إلى أوربا، بعد أن مكثنا عاما بأكمله في ربوع أمريكا الجنوبية والسفر منها وإليها.
في باريس
وعرجنا على باريس، وأخذت معي كذلك محمود التوني، على سبيل أن نتفرج ع الدنيا!! إلا أن الدنيا التي قصدناها كانت أبعد شيء عنا، إذ أمضينا في باريس خمسة عشر يوما، لم نزر خلالها متحفا ولا رأينا مسرحا، بل كان همنا كله البقاء في جاليري لافاييت. فقد كنا نقصد إلى هذا المحل يوميا من التاسعة صباحا إلى الثامنة مساء، لنشتري كل ما طاب لنا من ملابس، وما راق لنا من أدوات وكماليات. وكم مرة اتفقنا على قضاء السهرة في دار السينما أو في مسرح معين، حتى إذا حان الحين كان التعب قد تملكنا، ولا نجد إلا أن نتخذ سبيلنا إلى الفندق لننام، كي نستأنف في اليوم التالي زيارتنا المعتادة لجاليري لافاييت.
عدنا من أمريكا بمبلغ يزيد على ألف جنيه. وقد تسألني كيف يقف الإيراد عند هذا الحد الضئيل، إذا ما قيس بالنجاح المتواصل الذي نجحناه، فأجيبك بأن العام الذي قضيناه في أمريكا لم تتح لنا الظروف أن نعمل فيه أكثر من نيف وثلاثين ليلة، وما ذلك إلا لمصادفة عدم خلو المسارح أثناء وجودنا في بعض المدن التي حللنا بها. ولولا ذلك لبلغت مكاسبنا أضعاف أضعاف ما عدنا به. قلت إننا تركنا أمريكا وفي حوزتنا ألف وبعض ألف من الجنيهات. وقد كانت الأيام الخمسة عشرة التي قضيناها في باريس، بل قل في جاليري لافاييت، كفيلة بالتهام هذا المبلغ إلى آخره. بحيث لم يبق معنا أجر العودة إلى مصر، مما اضطرنا إلى أن نرسل إليها في طلب ذلك الأجر تلغرافيا. وقد كان فوصلنا بطريق البرق مبلغ مائة جنيه.
अज्ञात पृष्ठ