मुधक्किरात नजीब अल-रिहानी
مذكرات نجيب الريحاني
शैलियों
وأخذتها في عظمي، وقلت ... بشرة خير، والله اطمأنينا على الشغل. نهايته. وذهبت ورفاقي (بديعة وابنتها جوجو والتوني وفريد صبري) إلى الفندق، وهناك استودعتهم الله، وقلت فلأذهب لارتياد المدينة، لعلي آتيكم منها بنبأ. أو لعلي أستطيع تهيئة فرصة لإحياء حفلة أو حفلتين، وصحبني محمود التوني ورحنا نجوب سانتوس شمالا وجنوبا وشرقا وغربا.
سانتوس!! إنها قرية أو ضيعة، أو قل ما شئت. نظرت إلى التوني متسائلا! «أنحن في أمريكا؟ أمال المغربلين تبقى إيه يا وله؟ نهايته لقينا في تجوالنا في أحد الشوارع رجلا ذا مهابة، قدمه إلينا دليلنا، فعرفنا أنه يدير أكبر فندق في المدينة. وأنه هو الآخر سوري من علية القوم هناك.
وحين قدمني إليه باسم «كشكش بك»، لاحت على الرجل دلائل الشك والريبة ... ثم ما لبث أن أخذته نعرة الصراحة ففاجأني قائلا: «شو ها الحكي!! أنت ما لك كشكش. لأني أنا شفت كشكش السنة الماضية بمدينة حمص في الشام ... وكان إله لحيه، وحضرتك هلا حليق» ...! على أنني لم أحتج إلى وقت طويل لإقناعه بأنني كشكش صحيح، وبأن اللحية التي رآني بها جاهزة.
أول حفلة
سر الرجل بذلك ووعدني بالعون، وقال إنه سيهيئ للفرقة فرصة العمل في فندقه في نفس المساء، والغريب أن عادتهم جرت على تناول الغداء في الساعة الحادية عشرة صباحا، والعشاء في السادسة والنصف. وكان علينا بالطبع أن نجاري القوم فيما درجوا عليه. فبعد أن مضت ساعة أو ما يزيد دعينا إلى ردهة الفندق، فإذا بها ملأى بالسيدات والرجال من أرقى الطبقات، وإذا النبأ قد سرى بينهم متضمنا أن فرقة (غنائية) ...! غنائية وحياتك!! قد وصلت من مصر، وأنها ستطرب الحضور بأصواتها الرخيمة!! الرخيمة! يا دي الليلة اللي زي بعضها يا أولاد ... والرخيمة دي نجيبها منين؟
ثم إذا فرضنا أنني مطرب ... وخستكت حبتين، فماذا أقول عن صوت التوني وزميله فريد صبري؟ هل امتدت إليهما الخستكة مني عن طريق العدوى مثلا؟!!
وأخيرا طرأت فكرة!! فلتكن بديعة هي المطربة، ولنكن نحن جميعا مذهبجية التخت!!
ولم نتوان لحظة في تنفيذ هذه الفكرة السديدة، فتوسطت بديعة أريكة الطرب وجلسنا حولها، نخزي العين، وفشر تخت الشيخ سيد الصفتي في زمانه!!
وألقت بديعة قطعا وطنية حماسية من ألحان روايتنا، بينما كنا نحن نردد كالمذهبجية بحق وحقيق. وانتهت الحفلة بنجاح ما بعده نجاح. و«هاص بنا جمهورنا العزيز، فنلنا من إعجابهم وتقديرهم ما نؤكد أننا غير جديرين به إطلاقا!!».
وأخيرا نصح لنا بعض الراسخين أن نولي وجوهنا شطر مدينة سان باولو (على بعد ساعتين في القطار من سانتوس)، وأفهمنا الناصحون أنها مدينة عامرة بمحبي الفن الذين يعشقون التمثيل، ويودون أن نتيح لهم فرصة مشاهدته. وكان ذلك في شهر نوفمبر من عام 1924، فعقدنا العزم على الرحيل إلى سان باولو، وامتطينا القطار، وكم كانت دهشتنا بالغة حين أطللنا من النوافذ، وشاهدنا المناظر التي تجل عن وصفها الألسن، وتتضاءل إلى جانبها أشهر المناظر السويسرية وأبدعها.
अज्ञात पृष्ठ