मुधक्किरात नजीब अल-रिहानी
مذكرات نجيب الريحاني
शैलियों
عملنا أول ليلة فكان الإيراد مائتين وخمسين جنيها، ولكن هل دخل جيبنا منها مليم واحد؟ أبدا والله العظيم والبركة في الدين والدائنين!
وقد فاتني أن أشير إلى شخص بالذات تقدم إلي مرحبا أجل ترحيب، ومحييا أحسن تحية، وتطوع بالتعريف قائلا إنه من هواة التمثيل، وإنه سمع عني كثيرا ورغب في العمل بفرقتي، وقد رحبت به أنا الآخر، ولكن رابني منه بعض تصرفات لم أفهم سرها! فما كدنا نصل مدينة تونس حتى سعى في كثير من العناية والاهتمام بإنزالنا في أكبر فنادق المدينة (واسمه ماجيستيك)، وراعني أنه نجح في حجز أحسن أجنحة الفندق لنا، كما راعني قبول إدارة الفندق أن تتقاضى من الممثلين مبلغ عشرين قرشا فقط كأجر عن الغرفة يوميا، في حين أن إيجار غرفتي في اليوم الواحد هو مائة وستون قرشا. وهو أجر معقول بالنسبة لفخامة الفندق الذي لا يقل من هذه الناحية عن أفخم فنادق القاهرة.
أقول إنني رأيت في هذه التصرفات ما رابني، وأخيرا عرفت أن ريبتي كانت في موضعها تماما، وأن صديقنا الجديد هذا، لم يكن إلا عينا خصصته الإدارة الفرنسية ليكون بمثابة رقيب علينا في كل خطوة نخطوها، أو حركة نأتيها. وذلك خشية من أن نثير في البلاد شعور الوطنية والحماس، وهو ما يأباه الاستعمار ويعمل على محاربته بكل وسيلة .
ولما كنا والحمد لله لم نقصد من رحلتنا أن نثير حربا شعواء بين الفرنسيين والوطنيين، فإن هذه الرقابة لم تؤثر فينا أقل تأثير، بل بالعكس أفادتنا كل الفائدة بأن جمعت أفراد الفرقة كلهم في صعيد واحد، وصعيد إيه يا سيدي ... أوتيل، لا تقوللي ولا تعيد لي. والأجرة إيه؟! تراب الفلوس!
نهايته ... توددت إلى الأخ المحترم الرقيب الهاوي وقربته إلي ... وصافي يا لبن.
الدائنون وراءنا
قلت إن إيراد الحفلة بلغ مائتين وخمسين جنيها استولى عليها الدائنون وتركونا نأكل بعضنا.
أما رواية الافتتاح فكانت (الليالي الملاح) ... أظن كمان رايح تقول إن السجع هنا مقصود! أبدا واللي خلقك! وقد كان استعدادنا لها فائقا بحيث كانت المناظر والملابس من أفخم الأصناف، كما أن الممثلات والممثلين كانوا على سنجة عشرة، ولذلك ظهرت الرواية بأحسن مظهر ونالت أحسن ما كنا نرجوه من النجاح. وكان هذا الجمهور بالطبع يملأ جوانب تياترو البلدية العظيم وكنت أشعر بفرح كبير لهذا النجاح «الأدبي» الممتاز وأعتبره تعزية لا شك فيها. ولكن حينما أرى الإيراد منحدرا في اتجاه غير طبيعي، كنت أشعر أن لسان حالي يقول: «آخ أيها الفن أتمنى في تلك اللحظة أن تكون خبزا فتؤكل أو عرقسوسا فتشرب!».
قلت إن مجموع الليالي الباقية لنا من التعاقد في التياترو ثمان. ولكن متعهدنا المبارك (السيد علي يوسف) كان قد طبع قبل وصولنا تذاكر اشتراكات عن اثنتي عشرة ليلة، وباع منها الشيء الكثير وتسلم الأثمان كذلك.
ولما لم يكن في طوقنا أن نقدم أكثر من هذه الليالي الثمان، فقد خفت أن يرمينا مشترو تذاكر الاشتراكات بالنصب والاحتيال. ولذلك قصدت إلى محام مشهور هناك وطلبته إليه أن يكتب عريضة باسمي إلى النيابة العمومية يشرح فيها الموقف، ويقول إنني مستعد أن أعيد لمن بيدهم الاشتراكات أثمانهم بعد أن أحصل على المال من بقية البلاد التي في النية زيارتها.
अज्ञात पृष्ठ