ومن ناحية أخرى، فقد وصلني خطاب من الأستاذ عبد السميع أفندي عرابي بتاريخ 15 فبراير 1926، وفي هذا الخطاب يسترعي الالتفات عبارة يقول فيها: «هذه المجهودات الوطنية وما لبيتكم من الآثار الجليلة فيها». وأعتقد تمام الاعتقاد أن هذا الوضع هو المطابق تمام المطابقة لما جاء في المذكرات الأصلية لعرابي باشا؛ لأنه ما كان يستطيع تدوين غير الحقيقة هو وغيره من المعاصرين له على قيد الحياة.
ولو كان الموقف بالنسبة لوالدي غير ذلك، لما أقر واعترف عبد السميع أفندي كتابة بما بيننا من الآثار الجليلة في هذه المجهودات الوطنية، وإلا لكان مخالفا لواقع وحقيقة مذكرات والده، ولكن المحير في الأمر أن يعترف عبد السميع أفندي بالآثار الجليلة لبيتنا في هذه المجهودات الوطنية قبل طبعها، ثم يرمي والدي بضد هذه الآثار بعد الطبع؟!
ومما يحقق اعتقادي بعدم صحة كل ما أثاره المغرضون حول والدي، خطاب آخر وصلني من عبد العزيز أفندي عرابي مع نسخة مهداة إلي من الجزء الأول من تاريخ والده، وفيه يسجل قراره بخطه أن والدي قد اشترك في تلك الثورة؛ إذ قال: هذه نسخة من الجزء الأول من تاريخ والدي رحمه الله عن الثورة العرابية التي اشترك فيها ساكن الجنان سلطان باشا، وكان فيها من المبرزين. ويقول أيضا: فحسبي أن أتقدم بهذه الهدية وفاء لوالدك الذي له حقه علينا.
ولعل مثار دهشتي من الخطابين اتفاقهما قبل الطبع على ذكر أفضال والدي، والإشادة بمواقفه ومجهوداته والرغبة في خدمة الحقيقة والتاريخ، ثم ظهور بعض الشوائب التي أحيط بها والدي، الذي كان بالأمس محل التقدير لمجهوداته الوطنية، والذي كان من المبرزين في تلك الثورة! ...
ومن هذا الاستشهاد وغيره من مجريات الحوادث يستطيع القارئ أن يتبين أين الحقيقة، ولو عاش والدي بضع سنين أخر، لاستطاع أن يكشف النقاب عن كثير من الأسرار التي أحاطت بموقف الجميع، ولكنه للأسف مرض في أعقاب نتائج الثورة، واشتد مرضه بسبب نتائجها التي أدت إلى أسوأ ما منيت به مصر الحديثة، وهو احتلال البلاد.
وفضلا عن ذلك، فإنني أنشر هنا مقالا للأستاذ عبد الرحمن بك الرافعي في مجال ما دار من المساجلات والمشادات، التي نشرت في الصحف بينه وبين عبد السميع أفندي عرابي حول مذكرات والده. وفيه يبدو جليا رأي أحد المؤرخين في المآخذ التي تعرض لها سلوك عرابي باشا ومقاصده ونواياه، وإظهار نواحي الضعف والإهمال في إعداد الجيش العرابي لمنازلة الإنجليز، وتحميل زعماء الثورة العرابية مسئولية المخاطرة بمستقبل البلاد، فضلا عن نوايا بعضهم في اعتلاء العرش.
وقد نشر هذا المقال في جريدة كوكب الشرق في 26 سبتمبر 1933، تحت عنوان «كلمة ختامية»:
قرأت المقالات الثلاث التي كتبها حضرة عبد السميع أفندي ردا على كلمتي عن ذكر 14 سبتمبر، وليس من قصدي أن أدخل وإياه في مناقشة طويلة، فإني أعتقد أن أعمدة الصحف اليومية لا تتسع لهذه المناقشات؛ لذلك أقتصر على الرد التالي ليكون من «ناحيتي» كلمتي الختامية لهذا الموضوع.
أنا لم أزل على رأيي في أن زعماء الثورة العرابية قد ركبوا من الشطط من يوم أن أكرهوا شريف باشا على الاستقالة من الوزارة. لقد ذكر عبد السميع أفندي قصة هذه الاستقالة وأراد بها أن يبرر مسلك العرابيين في الدور الثاني للثورة، واستدل بقرار مجلس النواب في هذا الصد، وقال: إن النظام الدستوري هو الذي أكره شريف باشا على الاستقالة، وجوابي على ذلك أن يستتر وراءه الزعماء لتغطية مسئولياتهم في الحوادث الجسام؛ لأن المعلوم أن النواب في عهود الثورات والانقلابات يستلهمون الرأي من زعمائهم. فإذا شط النواب في قراراتهم وكانوا في شططهم نازلين على حكم زعمائهم ثم وقعت الكارثة، كانت المسئولية واقعة على الزعماء أولا ثم على النواب ثانيا.
فشريف باشا كان يرى درءا للأزمة السياسية التي نشأت عن تدخل الدولتين في مسألة الميزانية، ألا يبت مجلس النواب في قراره النهائي في المادة المتعلقة بها من اللائحة الأساسية ويرجئها إلى حين تنتهي الغمة؛ وبذلك يتفادى التدخل المسلح من جانب إنجلترا وفرنسا.
अज्ञात पृष्ठ