دون العربي في الفصاحة والبلاغة.
فنقول : لو اجتمع فصحاء العالم ، وارادوا : ان يتركوا هذه اللفظة ، ويأتوا بلفظ يقوم مقامها في الفصاحة ، لعجزوا عن ذلك.
وذلك : لأن الله تعالى اذا حث عباده على الطاعة ، فان لم يرغبهم بالوعد الجميل ، ويخوفهم بالعذاب الوبيل ، لا يكون حثه على وجه الحكمة ، فالوعد والوعيد نظرا الى الفصاحة : واجب.
ثم ان الوعد بما يرغب فيه العقلاء ، وذلك منحصر في امور : الاماكن الطيبة ، ثم المآكل الشهية ، ثم المشارب الهنيئة ، ثم الملابس الرفيعة ، ثم المناكح اللذيذة ، ثم ما بعده مما يختلف فيه الطباع.
فاذا ذكر الأماكن الطيبة ، والوعد به لازم عند الفصيح ولو تركه لقال من امر بالعبادة. ووعد عليها بالأكل والشرب : ان «الأكل والشرب» لا التذبه : اذا كنت في حبس او موضع كريه ، فلذا : ذكر الله الجنة ، ومساكن طيبة فيها.
وكان ينبغي ان يذكر من الملابس : ما هو ارفعها ، وارفع الملابس في الدنيا : الحرير ، واما الذهب فليس مما ينسج منه ثوب.
ثم ان الثوب من غير الحرير ، لا يعتبر فيه الوزن والثقل ، وربما يكون الصفيق الخفيف : ارفع من الثقيل الوزين ، واما الحرير فكلما كان ثوبه اثقل ، كان ارفع ، فحينئذ وجب على الفصيح : ان يذكر الاثقل الأثخن ، ولا يتركه في الوعد ، لئلا يقصر في الحث والدعاء.
ثم ان هذا الواجب الذكر : اما ان يذكر بلفظ واحد موضوع له صريح ، او لا يذكر بمثل هذا ، ولا شك : ان الذكر باللفظ الواحد الصريح ، اولى ، لأنه اوجز ، واظهر في الافادة ، وذلك : ( إستبرق ).
पृष्ठ 405