ﷺ َ - بَاب إِثْبَات الْمجَاز فِي اللُّغَة ﷺ َ -
وَذهب أَكثر النَّاس إِلَى ذَلِك وَحكي عَن قوم الْمَنْع مِنْهُ وَلَيْسَ يَخْلُو خلافهم فِي ذَلِك إِمَّا أَن يكون خلافًا فِي معنى أَو فِي عبارَة وَالْخلاف فِي الْمَعْنى ضَرْبَان احدهما أَن يَقُولُوا إِن اهل اللُّغَة لم يستعملوا الْأَسْمَاء فِيمَا تَقول إِنَّهَا مجَاز فِيهِ نَحْو اسْم الْحمار فِي البليد وَهَذَا مُكَابَرَة لَا يرتكبها أحد وَالْآخر أَن يَقُولُوا إِن أهل اللُّغَة وضعُوا فِي الأَصْل اسْم الْحمار للرجل البليد كَمَا وضعوه للبهيمة وَهَذَا بَاطِل لأ نَا كَمَا نعلم باضطرار أَنهم يستعملون ذَلِك فِي البليد فَإنَّا نعلم أَنهم استعملوا ذَلِك على طَرِيق التبع والتشبيه للبهيمة وَأَن اسْتِحْقَاق البليد لذَلِك لَيْسَ كاستحقاق الْبَهِيمَة وَلذَلِك يسْبق إِلَى الأفهام من قَول الْقَائِل رَأَيْت الْحمار الْبَهِيمَة دون البليد وَلَو كَانَ مَوْضُوعا لَهما على سَوَاء لم يسْبق إِلَى الأفهام أَحدهمَا فَإِن قيل فَإِذا كَانَ الْحَقَائِق تعم المسميات فلماذا تجوز بالأسماء عَن مَا وضعت لَهُ قيل لِأَن فِي الْمجَاز من الْمُبَالغَة والحذف مَا لَيْسَ فِي الْحَقِيقَة وَلِهَذَا إِذا وَصفنَا البليد بانه حمَار كَانَ أبلغ فِي الْإِبَانَة عَن بلادته من قَوْلنَا بليد وَقد يحصل الْكَلَام مجَازًا بِضَرْب من الْحَذف فيستعمل ذَلِك طلبا للتَّخْفِيف
وَأما الْخلاف فِي الِاسْم فبأن يسلم الْمُخَالف أَن اسْتِعْمَال اسْم الْحمار فِي البليد لَيْسَ بموضوع لَهُ فِي الأَصْل وَأَنه بالبهيمة أخص لكنه يَقُول لَا أُسَمِّيهِ مجَازًا إِذا عني بِهِ البليد لِأَن أهل اللُّغَة لم يسموه بذلك بل أُسَمِّيهِ مَعَ قرينته حَقِيقَة فَيُقَال لَهُ إِن أردْت أَن الْعَرَب لم تسمه بذلك فصحيحي وَإِن أردْت أَن الناقلين عَنْهُم لم يسموه بذلك فَبَاطِل بتلقيبهم كتبهمْ بالمجاز وبأنهم يَقُولُونَ فِي كتبهمْ هَذَا الِاسْم مجَاز وَهَذَا الِاسْم حَقِيقَة وَلَيْسَ إِذا لم تسمه الْعَرَب بذلك يمْتَنع أَن يضع الناقلون عَنْهُم لَهُ هَذَا الِاسْم ليَكُون آلَة وأداة فِي صنائعهم لِأَن أهل الصَّنَائِع يَفْعَلُونَ ذَلِك وَلِهَذَا سمى النُّحَاة الضمة الْمَخْصُوصَة
1 / 23