يسجن، وهم صابرون لا يفرون، ولو فروا لكفرت العامة دفعة واحدة" (٨).
ولما لم يفر أهل إفريقية ظهر رجال صرفوا جهودهم لإِقامة السنة سواء بالقيروان أو بغيرها مثل الشيخ ابن أبي زيد القيرواني الذي جاهد لإِحياء السنة بدروسه، وكتبه وماله؛ فالمذهب الشيعي ممدود الأطناب، وهو يؤلف وينشر فقه مالك، "فقد كان ذابّا عن مذهبه قائما بالحجة عليه، بصيرا بالرد على أهل الأهواء" (٩).
وأعانه على قبول أقواله صلاحه وورعه وعفته، ومتانة دينه، فاستثاق الناس أقواله، وأخذوا بطريقته، لأنهم رأوها طريقة لا شائبة فيها، فقد اجتمع فيه العلم والورع، والفضل والعقل. ولإِجل المحافظة على مذهب مالك ألف رسالته الشهيرة وكان تأليفه لها بإشارة من المؤدب محرز بن خلف الصديقي (-٤١٣).
ودفعه إلى تأليفها حرصه وحرص الشيخ محرز والرغبة منهما: "في تعليم الوُلدان أمور الديانة مما تنطق به الألسنة، وتعتقده القلوب، وما تعمله الجوارح: كالصلاة، وجملا من أصول الفقه وفروعه على مذهب مالك ابن أنس رحمه الله تعالى، وعلى طريقته كما يعلمون حروف القرآن، ليسبق ذلك إلى قلوبهم من فهم دين الله وشرائعه وما تُرجى لهم بركته، وتحمد لهم عاقبته" (١٠). وفعلا أجدت هذه الطريقة، فرسخت السنة في القلوب ولم تَجِدْ المذاهب الأخرى إلى إفريقية مدخلا.
_________
(٨) معالم الإِيمان: ج٢ ص ٢٠٠.
(٩) الدِّيباج ص ١٣٧.
(١٠) من مقدمة الرسالة لابن أبي زيد القيرواني التي نالت رواجا قليل النظير شرقا وغربا.
1 / 14