मुअजिज़ अहमद
اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي
शैलियों
अलंकार
تدبير ذي حنكٍ يفكر في غدٍ ... وهجوم غرٍّ لا يخاف عواقبا
الحنك: التجارب، ويجوز في تدبير، وهجوم: الرفع على خبر الابتداء المحذوف، كأن قائلًا قال: ما تلك العجائب؟ فقال: هي تدبير ذي حنك وهجوم غرٍّ، أو على الابتداء وحذف الخبر المقدم عليه، أي له تدبير ذي حنك. والنصب: بدلًا من عجائب. والغر: الذي لم يجرب الأمور.
يقول: له في السياسة تدبير ذي الرأي والتجربة، وفي الحروب إقدام الغر، الذي لم يجرب الأمور فلا يخشى العاقبة.
وعطاء مالٍ لو عداه طالبٌ ... أنفقته في أن تلاقي طالبا
روى: عطاء رفعًا ونصبًا، على ما ذكرناه عداه: جاوزه من غير أن يأخذه.
يقول: له عطاء مال لو جاوزه طالب، لبذل ذلك المال في تحصيل من يطلبه ليأخذه.
خذ من ثناي عليك ما أسطيعه ... لا تلزمني في الثناء الواجبا
قصر ثناي: وهي واجبه المد قصر للضرورة وما أسطيعه: أصله ما أستطيعه، فحذف استخفافًا.
يقول: خذ من ثنائي عليك ما أقدر عليه، ولا تلزمني في مدحك ما تستحقه ويجب لك فليس ذلك في وسعي ولا يجب أن يحيط به وهمي وخاطري.
فلقد دهشت لما فعلت ودونه ... ما يدهش الملك الحفيظ الكاتبا
دهش الرجل: أي تحير، ودهشته وأدهشته: إذا حيرته.
يقول: خذ ما أقدر عليه وإلا تلزمني الواجب؛ لأني قد دهشت بما رأيت من صفاتك، وأقل ما أرى من فعلك يخير الملائكة الحفظة الكرام الكاتبين، مع قوتهم! فكيف أقدر أنا على الاستيفاء بالوصف! وكيف يحيط وصفي وعلمي بكنهك؟! وقال يمدح عمر بن سليمان الشرابي ويذكر حسن بلائه وهو يومئذ يتولى الفداء بين الروم والعرب
نرى عظمًا بالصد والبين أعظم ... ونتهم الواشين والدمع منهم
الصد: الإعراض، مع قرب المسافة. والبين: البعد من حيث المسافة.
يقول: إنا نستعظم أمر الإعراض والهجر مع القرب، ولا نستعظم البين: الذي هو بعد المسافة، وهو أعظم منه، ونتهم الواشين في إظهار سرنا، والدمع من جملة الواشين؛ لأنه يفضحنا ويهتك أستارنا.
ومن لبه مع غيره كيف حاله؟ ... ومن سره في جفنه كيف يكتم؟!
يقول: من كان عقله مع غيره أي: مع المحبوبة. كيف حاله؟! لأنه إذا عدم عقله ولبه، لم يدر ما يقول ويسمع، ومن يكون سره في عينه كيف يكتمه! لأن العاشق لا يمكنه إمساك الدمع فيظهر سره بذلك.
ولما التقينا والنوى ورقيبنا ... غفولان عنا ظلت أبكي وتبسم
الواو: في قوله: والنوى ورقيبنا: واو الحال، والجملة في موضع نصب.
يقول: لما اجتمعت أنا والمحبوبة في حال ما كان النوى والرقيب غافلين عنا، ظلت أنا أبكي وأشكو إليها ما بي من الشوق والوجد، وهي تضحك من شكواي وبكائي تعجبًا من حالي، ومسرةً بما ابتليت.
فلم أر بدرًا ضاحكًا قبل وجهها ... ولم تر قبلي ميتًا يتكلم
شبهها بالبدر، وشبه نفسه بالميت. ثم ذكر متعجبًا فقال: لم أر بدرًا ضاحكًا قبل وجهها؛ لأن البدر لا يضحك، وهي بدر ضاحك، وكنت ميتًا، فلم أر قبل نفسي ميتًا يتكلم! لأني كنت أشكو إليها حالي وأتكلم به، وكنت ميتًا فالعجب من ذلك.
ظلومٌ كمتنيها لصبٍّ كخصرها ... ضعيف القوى من فعلها يتظلم
المتنان: لحمتان في الصلب، يكتنفان القفا. والخضر: معقد الإزار. والقوى: جمع القوة.
يقول: متنها قوي ممتلىء، وخصرها دقيق نحيف، فهي تظلم العشاق، كما يظلم متناها خصرها، لأنهما يكلفانها فوق طاقتها، وعاشقها ضعيف القوة كخصرها. وقوله: من فعلها يتظلم زيادة، ليس فيه كبير فائدة إلا إتمام البيت، ولو قال بدل المتن الردف لكان أولى؛ لأن المتن لا يوصف في الشعر بالعبارة والفخامة، وإنما يذكر بالاهتزاز والرشاقة، ويوصف الردف بالعظم. وهذا البيت مأخوذ من قول خالد الكاتب:
صبًا كئيبًا يتشكى الهوى ... كما اشتكى نصفك من نصفكا
بفرعٍ يعيد الليل والصبح نيرٌ ... ووجهٍ يعيد الصبح والليل مظلم
الباء في قوله: بفرع متعلقه بقوله ظلوم ويجوز أن يكون من الضمير الذي في ظلوم.
يقول: إنها ظلمتني حين فتنتني: بفرع أسود لو نشرته في النهار لصار ليلًا، وبوجه منير، لو أسفرت عنه ليلًا لصار نهارًا. والواو واو الحال في الموضعين.
فلو كان قلبي دارها كان خاليا ... ولكن جيش الشوق فيه عرمرم
1 / 97