मुअजिज़ अहमद
اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي
शैलियों
अलंकार
يقول: إن كنت صادقا في مدحك، فليس جزائي منك الإبعاد والعتب، وإن كنت كاذبًا في مدحك فقد تكلفت لك المجاملة في القول، فكان من الواجب أن تعاملني بمثل ذلك، فعلى الحالين أستوجب منك خلاف ما فعلته بي.
وقيل: معناه إن كنت صدقت فيما عاتبتك عليه فما جزاء الصدق أن تأمر بقتلي! وإن كذبت، فالواجب على كرمك أن تعفو عني.
وإن كان ذنبي كلّ ذنبٍ فإنّه ... محا الذّنب كلّ المحو من جاء تائبا
الهاء في إنه ضمير الشأن، أي فإن الشأن محا الذنب من جائ تائبا.
يقول: إن كان ذنبي يوازي ذنوب الناس كلهم، فإن توبتي تمحوه، فإن من جائ تائبًا استوجب العفو، وإن كان ذنبه بمنزلة جميع الذنوب، أخذه من قول النبي ﷺ: التائب من الذنب كمن لا ذنب له ومثل البيت قول الآخر:
إذا اعتذر الجاني محا العذر ذنبه ... وكلّ امرئٍ لا يقبل العذر مذنب
قال: ودخل على سيف الدولة، بعد تسع عشرة ليلة، فتلقاه الغلمان، وأدخلوه إلى خزانة الكسوة فخلع عليه وطيب، ثم دخل على سيف الدولة فسأله سيف الدولة عن حاله وهو مستح منه، فقال له أبو الطيب: رأيت الموت عندك أحب إلي من الحياة دونك، فقال له سيف الدولة: بل يطيل الله بقاءك ودعا له.
ثم ركب أبو الطيب وسار معه خلق كثير إلى منزله، وأتبعه سيف الدولة طيبًا كثيرًا وهدية، فقال أبو الطيب يمدحه وأنشدها إياه في شعبان سنة إحدى وأربعين وثلاث مئة.
أجاب دمعي وما الدّاعي سوى طلل ... دعا فلبّاه قبل الرّكب والإبل
يقول: لما وقفت على الطلل، بكيت قبل أصحابي، وقبل بكاء الإبل، فكأن الطلل دعا دمعي فأجابه قبل أصحابي.
ظللت بين أصيحابي أكفكفه ... وظلّ يسفح بين العذر والعذل
الأصيحاب: تصغير الأصحاب، وأكفكفه: أي أحبسه، وأردده والها: للدمع. وظل: أي الدمع. يسفح: أي يجري.
يقول: ظللت عند إجابة الدمع أكف دمعي عن السيلان، وأمنعه من الهملان، وظل الدمع يسيل ولا ينقطع، وأمنعه ولا يمتنع، فكان يجري بين عاذل من أصحابي على البكاء، وبين عاذر منهم، لما يرى من شدة صبابتي.
أشكو النّوى ولهم من عبرتي عجبٌ ... كذاك كانت وما أشكو سوى الكلل
الكلل: جمع الكلة، وهي الحجلة والتاء في كانت: للعبرة.
يقول: كنت أشكو النوى إليهم، وهم يتعجبون من دمعي، وليس ذلك بموضع تعجب؛ لأن الدمع كان هكذا، حين كانت المحبوبة قريبة منين لا يغيبها عن عيني سوى كلل. فالآن وقد بعدت وحالت بيننا المفاوز والبلاد، أجدر أن أبكي، وقوله: كذا كانت خطاب للأصحاب، أي قلت لهم: لا تعجبوا فإني كنت هكذا أبكي وهي قريبة مني.
وما صبابة مشتاق على أمل ... من اللّقاء كمشتاق بلا أمل
أي كصبابة مشتاق بلا أمل، فحذف المضاف.
يقول: إذا كنت أبكي وهي بالقرب، وكان البعد بيننا كله، فالآن - مع هذا البعد - أولى بالبكاء، لأن الاشتياق، إذا كان مع الأمل من اللقاء، لا يكون في الشدة كالاشتياق إذا كان من غير الأمل! ومثله لأبي تمام:
يصدّون عمّن لو تيقّن أنّه ... صدود انقطاعٍ لانثنى فتقطّعا
متى تزر قوم من تهوى زيارتها ... لا يتحفوك بغير البيض والأسل
يقول: إذا زرت قوم حبيبك الذي تهواه: جعلوا تحفتك السيوف والرماح، يعني أنهم وإن قصدوني عن زيارتي إياها بالرماح والسيوف، طلبًا لقتلي، فإني لا أمتنع عن زيارتها، وقد بين ذلك بقوله.
والهجر أقتل لي ممّا أراقبه ... أنا الغريق فما خوفي من البلل؟!
يقول: إن هجرت زيارتها خوفًا من القتل، فالهجر أشد قتلًا لي، وما أراقب من قومها، ربما قارنته السلامة، وخوفي من قومها كالبلل.
ما بال كلّ فؤادٍ في عشيرتها ... به الّذي بي وما بي غير منتقل؟
يقول: ما بال كل قلب من قلوب عشيرتها يحبها! فبهم مثل ما بي من حبها، وكلنا ثابت الحب لها، غير منتقل الهوى عنها؛ لأنه إذا أخبر أن لكل فؤاد ما بفؤاده ثابت، فقد تضمن ذلك الإخبار عما في قلوبهم من الحب، أنه غير منتقل.
وقيل - وهو الأولى - معناه: أن كل أحد من عشيرتها يحبها مثلما أحبها لا تفاوت بيننا في حبها، فكأننا نحبها بحب واحد، وهذا الحب في قلوبنا أجمع، فكيف يكون وجدي وشوقي في قلب غيري وهو غير منتقل عني، والشيء الواحد لا يحل مكانين في زمان واحد؟!
1 / 280