मुअजिज़ अहमद
اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي
शैलियों
अलंकार
لأنا نقول: إن الأول يفيد أن رجليه رجلًا راكبه، ويديه يداه في حال ركضه فقط، والمصراع الثاني يدل على أن فعل هذا الفرس، ما يريده صاحبه في جميع الأحوال، من ركض أو غيره، وأنه مطيع لصاحبه في جميع جوارحه، فكأنه قال: أفعال الفرس من أحواله كلها وجوارحه جميعًا موافقة لاختيار صاحبه، وتصريف كف راكبه وقدمه، وهذه فائدة جديدة.
ومرهفٍ سرت بين الموجتين به ... حتّى ضربت وموج الموت يلتطم
وروى: الجحفلين أي العسكرين. والموجتين: هما صفتا العسكرين وأراد بالموج. الأمواج، فهو واحد في معنى الجمع، ولهذا قال: يلتطم، والالتطام لا يكون من واحد، ويجوز أن يكون الموج: جمع موجة.
يقول: رب سيف محدد شققت به الصفين، وضربت به الأعداء في حال اشتداد الحرب، والتطام موج الموت. وأراد به مقدمات الموت، من الضرب والطعن.
وقيل: أراد بالموجتين: جملة كل واحد من الصفين على الآخر كالتطام الأمواج.
فالخيل واللّيل والبيداء تعرفني ... والحرب والضّرب والقرطاس والقلم
يقول: أنا لجامع بين آداب السيف والقلم: فالخيل تعرفني بالفروسية لإدماني ركوبها، والليل يعرفني لدوام سيري في ظلامه، والبيداء تعرفني لإدمان قطعي إياها، ودوام سكناي فيها، والحرب يعرفني لكثرة مباشرتي له، والقرطاس والقلم يعرفاني لأني كاتب أديب.
وقيل: أراد به أهل الخيل، وأهل البيداء إلخ يعرفوني.
قال ابن جني: قد سبق بجميع هذه الأمور في بيت واحد، ولم يجتمع مثله في بيت مما أعلمه، الأقرب إليه قول البحتري:
اطلبا ثالثًا سواي فإنّي ... رابع العيس والدّجى والبيد
وحكى أن سيف الدولة قال لما أنشد هذا البيت: والله لو قال هذا البيت في لشاطرته في ملكي.
صحبت في الفلوات الوحش منفردًا ... حتّى تعجّب منّي القور والأكم
القور: جمع قارة، وهي صرة من الأرض، فيها حجارة سود، وقيل: جبل صغير أسود كأنه مطلي بالقار، والأكمة: الجبل الصغير، وجمعها الأكم، والآكام، وقيل: هي ما ارتفع من الأرض.
يقول: إني لا أزال أقطع المفاوز وحدي، من غير أن يدلني أحد. وأراد بذلك وصف شجاعته، وقيل: أراد بذلك أنه بدوي، تربيته مع الوحش، بين الأكم والقور.
يا من يعزّ علينا أن نفارقهم ... وجداننا كلّ شيء بعدكم عدم
يعز: أي يشتد، يعرض برحيله عن سيف الدولة، يقول: يا من يشتد علينا مفارقتهم، كل شيء نجده بعد فراقكم فهو عندنا عدم، أي وجوده كعدمه ومثله:
ومن اعتاض عنك إذا افترقنا ... وكلّ النّاس زورٌ ما خلاكا
ما كان أخلقنا منكم بتكرمةٍ ... لو أنّ أمركم من أمرنا أمم
يقول: ما أخلقه بهذا الأمر! وما أجدوه! وما أولاه! والأمم: القصد والقرب يقول: ما أولانا منكم بأن تكرمونا! لو أن أمركم قريب من أمرنا، وجواب لو محذوف أي لو كنتم تحبوننا، كما نحبكم، لكنتم تكرموننا.
إن كان سرّكم ما قال حاسدنا ... فما لجرح إذا أرضاكم ألم
يقول: إن كان سركم قول الحساد وسعايتهم بي، فإني أصبر على ذلك، وكل جرح يصيبني فلا أتألم به، إذا كان فيه رضاكم.
وبيننا لو رعيتم ذاك معرفةٌ ... إنّ المعارف في أهل النّهي ذمم
قوله: معرفة مبتدأ وبيننا خبرها مقدم عليها، وذكرها ذهابا بها إلى العرفان أو الحق، وتقديره: بيننا معرفة لو رعيتم ذاك: أي لو رعيتم حق المعرفة، وجواب لو محذوف أي لو رعيتم لرفعتم منزلتي، وكافأتموني عليه.
يقول: قد تقدمت بيننا معرفة، وحرمة يجب عليك رعاية حقها؛ لأن المعارف ذمم بين أهل العقول: يعني يمتنع كل أحد من المتعارفين أن يسيء إلى صاحبه إذا كان عاقلًا، فكأن هذه المعرفة ذمة وعهد بينهما.
كم تطلبون لنا عيبًا فيعجزكم؟ ... ويكره الله ما تأتون والكرم
يقول: لا تزالون تطلبون عيبًا فيّ، فيعجزكم عيبي: أي لا تقدرون عليه، وهذا الفعل لا يرضى الله به، ولا يليق بالكرم.
ما أبعد العيب والنّقصان من شرفي ... أنا الثّريّا وذان الشّيب والهرم
ذان: إشارة إلى العيب، والنقصان.
يقول: كما أن الثريا لا تشيب، ولا تهرم، كذلك شرفي لا يلحقه عيب ولا نقصان.
ليت الغمام الّذي عندي صواعقه ... يزيلهنّ إلى من عنده الدّيم
1 / 277