मुअजिज़ अहमद
اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي
शैलियों
अलंकार
ومر سيف الدولة بسمندو وعبر آلس وهو نهر عظيم فنزل على صارخة وأحرق ربضها وكنائسها وربض الخرشنه وما حولها وأكثر القتل، وأقام بمكانه يومًا ثم رحل حتى عبر آلس راجعًا، فلما أمسى ترك السواد وأكثر الجيش وسرى حتى جاز خرشنة، وانتهى إلى بطن اللقان في غد ظهرًا، ولقى الدمستق في الألوف من الخيل، فلما نظر الدمستق إلى أوائل الخيل، ظنها سرية، فثبت لها وقاتل أول الناس حتى هزمهم، وأشرف عليه سيف الدولة فانهزم. قيل: وقتل من فرسانه خلق كثير، وأسر من بطارقته وزراورته ووجوه رجاله خلق كثير نيف على ثمانين، وأفلت الدمستق، وعاد سيف الدولة إلى عسكره وسواده، وقفل غانما فلما وصل إلى عقبة تعرف بمقطعة الأثفار فصادفه العدو على رأسها، فأخذ ساقة الناس يحميهم، فلما انحدر بعد عبور الناس ركبه العدو فخرج من الفرسان جماعة، فنزل سيف الدولة على بردى وهو نهر عظيم وضبط العدو، وعقبة السير صعبة طويلة، فلم يقدر على صعودها لضيقها وكثرة العدو بها، فعدل متيا سرًا في طريق وصفه له بعض أدلته، وأخذ ساقة الناس يحميهم، وكانت الإبل كثيرة مثقلة وجاءه العدو آخر النهار من خلفه، وقاتله إلى العشاء وأظلم الليل، فتسلل أصحاب سيف الدولة يطلبون سوادهم، فلما خف عنه أصحابه سار حتى لحق بالسواد تحت عقبة قريبة من بحية الحدث، فوقف وقد أخذ العدو الجبلين من الجانبين، فجعل سيف الدولة يستنفر الناس فلا ينفر أحد فمن نجا من العقبة نهارًا لم يرجع، ومن بقي تحتها لم تكن فيه نصرة! وتخاذل الناس وكانوا قد ملوا السفر، فأمر سيف الدولة بقتل البطارقة والزراورة ولك من كان في السلاسل - وكان فيها مئات - وانصرف سيف الدولة.
فاجتاز أبو الطيب آخر الليل بجماعة من المسلمين، بعضهم نيام بين القتلى - من التعب - وبعضهم يحركونهم فيجهزون على من تحرك، فلذلك قال:
وجدتموهم نيامًا في دمائكم ... كأن قتلاكم إيّاهم فجعوا
فقال أبو الطيب: يصف الحال بعد القفول في جماد الآخر سنة تسع وثلاثين وثلاث مئة. ويقال: إنه قد قتل في هذه الغزاة من المسلمين زهاء مئة ألف فارس ولم ينج سيف الدولة إلا في شرذمة يسيرة.
غيري بأكثر هذا النّاس ينخدع ... إن قاتلوا جبنوا أو حدّثوا شجعوا
قوله: هذا الناس إنما وجه فيه الإشارة، أنه حمله على لفظ الناس ثم قال: إن قاتلوا إلى آخره، فرد الكناية إلى المعنى، وروى: هذا الخلق: وهذا ظاهر.
يقول: غيري ينخدع بأكثر هؤلاء الناس، ويغتر بأقوالهم، فأما أنا، لا أنخدع بهم، ولا أغتر بقولهم، لأني جربتهم فوجدتهم لا خير فيهم، يقولون ما لا يفعلون! فهم في ألسنتهم شجعان، وفي القتال جبناء لا خير عندهم، ولا غناء.
أهل الحفيظة إلاّ أن تجرّبهم ... وفي التّجارب بعد الغيّ ما يزع
الحفيظة: الشجاعة وأصلها: الغضب؛ لأن الشجاع يغضب عند الحروب، فيحمى عن قومه. وقيل: الحفيظة: الحمية والأنفة، والتجارب: جمع التجربة. ويزع: أي يكف يقول: هم أهل الشجاعة والحمية في الظاهر، وإذا جربتهم ظهر لك ما يزع عن الاغترار بهم، والانخداع بظاهر أحوالهم.
وما الحياة ونفسي بعدما علمت ... أنّ الحياة كما لا تشتهي طبع؟
الطبع: الدنس، ثم سمى العار والعيب طبعًا وما استفهام في قوله: وما الحياة وموضعها رفع بالابتداء، والحياة: خبره، ونفسي: معطوفة على الحياة. يعني: وما الحياة، وما نفسي.
يقول: ما لنفسي وطلب الحياة، وكيف ترغب نفسي في حياة هي عار عليها، وغير موافقة لها! وقد علمت نفسي أن الحياة إذا كانت تنغص بما لا تشتهيه: مرة فقر، ومرة تعب، فهي طبع وعار.
ليس الجمال لوجهٍ صحّ مارنه ... أنف العزيز بقطع العزّ يجتدع
المارن: مالان من طرف الأنف. يجتدع: أي ينقطع.
يقول: ليس جمال الرجل في صحة وجهه ومارنه، ولكن جماله في عزته ومنعته، فإن العزيز إذا ذهب عزه ذهب جماله، وكان في الحقيقة مثل من جدع أنفه، لأن السماجة فيه أكثر من قطع الأنف.
أأطرح المجد عن كتفي وأطلبه؟ ... وأترك ألغيث في غمدي وأنتجع؟!
يقول: المجد وحسن الحال إنما يكسبان بالسيف. فأطرح هذا المجد عن كتفي ثم أطلبه! وأترك سيفي في غمدي، وأنتجع المعروف من وجه آخر! فإذا فعلت ذلك فكأني قد طلبت الأمر من غير وجهه.
1 / 254