دار الكتب والوثائق القومية
مركز تحقيق التراث
معجم تيمور الكبير
في الألفاظ العامية
تأليف
أحمد تيمور
تحقيق
دكتور حسين نصّار
- (الجزء الأول) -
الطبعة الثانية
(١٤٢٢ هـ - ٢٠٠٢ م)
مطبعة دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة
1 / 1
الهيئة العامة
لدار الكتب والوثائق القومية
رئيس مجلس الإدارة
د/ صلاح فضل
تيمور، أحمد
معجم تيمور الكبير في الألفاظ العامية/ تأليف أحمد تيمور؛ تحقيق حسين نصار. - ط ٢. - القاهرة: دار الكتب والوثائق القومية، مركز تحقيق التراث، ٢٠٠٢ - مج ١؛ ٢٨ سم.
يشتمل على إرجاعات بيليوجرافية.
تدمك ٣ - ٠٢١٤ - ١٨ - ٩٧٧
إخراج وطباعة:
مطبعة دار الكتب والوثائق بالقاهرة.
رقم الإيداع بدار الكتب ٧٤٧٢/ ٢٠٠٢
IS.B.N. ٩٧٧ - ١٨ - ٠١٢١٤ - ٣
1 / 2
معجم تيمور الكبير
في الألفاظ العامية
1 / 3
ـبسم الله الرحمن الرحيم
كلمة
للدكتور حسين نصار
اللغة العامية: اللغة التي نتخاطب بها في كل يوم، عما يعرض لنا من شئون حياتنا مهما اختلفت أقدارنا ومنازلنا: لسان المتعلمين منا وغير المتعلمين، على اختلاف فئاتهم وحرفهم، والمثقفين وغير المثقفين، أهل الصحراء وأهل الوادي، من سكن منهم المدن ومن استوطن الريف، وأهل القاهرة، والوجه البحري على اتساعه بين الشرق والمغرب، والصعيد على امتداده من الشمال الى أقصى الجنوب.
يتقارب المتحدثون بهذه «اللغة العامية» على «اختلاف أقدارهم ومنازلهم» فيتم التفاهم في يسر وسرعة في أكثر الأحيان. ويتباعدون بسبب هذا الاختلاف حتى يتعذر التفاهم، على الرغم من أن المتحاورين من أبناء مصر.
يتعذر التفاهم بسبب كلمة يستعملها أحدهم ولا يعرفها الآخر، وكلمة أعطاها أحدهم معنى أنكره الآخر عليه أو أعطاها معنى غيره، وكلمة غير أحدهم في بعض حروفها تقديما وتأخيرا، أو ابدالا بحروف أخرى، فلم يهتد اليها صاحبه، وكلمة غاير المتكلم في حركاتها ما لا يغاير سامعه، وكلمة مد المتحدث بصوته فيها أو في بعض حروفها فأضاف اليها أحد حروف اللين، أو أسرع فيها حتى أخفى أحد هذه الحروف، وكلمة قصر صوتها عن أداء المعنى الذي أراده المتحاور فألحق بها بعض الحروف لتفي بما أراد، وكلمة تحبب فيها الناطق أو أهمل فحذف من آخرها بعض الحروف ترخيما.
كل ذلك كان في «اللغة العامية» المستعملة في مصر، وما يزال. وكان فيما عرفت غير مصر من أقطار العروبة من «لغات عامية»، وما يزال.
1 / 5
يقه ذلك بين المتحدثين بالعامية الواحدة - ان أبحنا لأنفسنا اطلاق هذا الوصف على عامية أي قطر -، ويقع مثله بل أكثر منه بين المتحدثين بالعاميات المختلفة في الأقطار العربية.
وهذا ما دعا الى اصدار الكتب المعنية بكل واحدة من هذه العاميات، مثل كتاب «لحن العامة» لأبي بكر محمد بن الحسن الزبيدي الذي عني بعامية الأندلس، و«تثقيف اللسان وتلقيح الجنان» لأبي حفص عمر بن خلف بن مكي الذي عنى بعامية صقلية والأندلس، و«معجم عطية في العامي والدخيل» الذي عني بعامية لبنان، و«رفع الاصر عن كلام أهل مصر» للشيخ يوسف المغربي.
والصلة بين هذه العاميات واللغة العربية «الفصيحة» لا يشك فيها أحد. قد تتفاوت هذه الصلة وهنا وقوة في العاميات المتعددة، بل في العامية الواحدة في الأطوار الزمنية التي تمر بها. وقد تتصل بعض العاميات بلغت غير العربية وتأخذ منها، كما فعلت العامية العراقية مع الفارسية والتركية، والسورية مع السريانية، واللبنانية مع الفرنسية، والمصرية مع التركية والايطالية .. وقد تتباعد مواضع الاتصال بين العربية والعاميات بسبب القبائل التي ينتمي اليها جمهور هذا القطر أو ذاك، فتتصل عامية أحد الأقطار بلهجة بني تميم، وعامية ثان بأهل الحجاز، وعامية ثالث بأهل اليمن.
وكان لهذا الاتصال المتفاوت أثره في حركة التأليف العربية. وكان أول ما لفت الأنظار التباعد المتزايد بين الفصحى وغيرها، ذلك التباعد الذي أفزع اللغويين، وعدوه تحريفا للغة، وتبديلا لنقائها، واعتداء على قداستها. فأصدروا الكتب التي أعلنت الحرب عليه، مثل كتاب «لحن العامة» للكسائي المتوفي في ١٩٨ هـ، و«اصلاح المنطق» لابن السكيت المتوفي في ٢١٦ هـ، و«الفصيح» لثعلب المتوفي في ٢٩١ هـ.
ولم تجد هذه الحرب الا في لغة التدوين، فقد وقفت سدًا يحدد طريقها، ويقيم مجراها، ويلم شعث ما قد يتناثر منها. ولكن لغة الحوار لم تحس لها نارا، وسارت غير آبهة، حتى أنتجت ما يشبه اللغتين المتباعدتين أو اللغات المتباعدة.
ولذلك وقف المحدثون الحرب على لغة الحديث، وقصروها على لغة التدوين. فكانت حرب صلاح الدين سعد الزعبلاوي على «أخطائنا في الصحف والدواوين» وحسين فتوح، ومحمد على عبد الرحمن، وحسن على البدراوي، وغيرهم على أخطاء تلاميذ المدارس.
1 / 6
ولم يرد بعذ المؤلفين حرب العامية، بل اعترف بها حفيدة شرعية للعربية الفصيحة، من بناتها المتعددات التي كانت القبائل تتحدث بها. فعنى كثير من المؤلفين عن العامية المصرية خاصة بهذه الصلات، وركزوا عليها الضوء، كما نرى عند محمد بن أبي السرور البكري في «القول المقتضب فيما وافق لغة أهل مصر من لغة العرب»، و«التحفة الوفائية في اللغة العامية المصرية» للسيد وفا محمد القوني.
واعترف بعض المؤلفين بالعامية لغة مكتملة، وعالجوها معالجة اللغات المستقلة، فحاولوا حصر مفرداتها. اضطلع بذلك محمد دياب في «معجم الألفاظ الحديثة» وحليم دموس في «قاموس العوام» وغيرهما.
كل هذا يدل على اهتمام القدماء باللغات العامية، على الرغم من اختلاف موقفهم منها رفضا أو قبولا، واصدارهم الكتب الكثيرة عنها. ولكن هذا الاهتمام زاد أضعافا في وقتنا الراهن. فقد لقيت العامية ما يشبه الاعتراف الرسمي بها.
اعتراف بما تضمه من أدب شعبي (فولكلوري)، أنتجه الشعب المتحدث بهذه العاميات معبرًا عن وجدان÷، ذلك الأدب الذي التفتت اليه الأنظار، وركزت عليه الأضواء، وعنيت به الدراسات الأدبية، والفنية، والشعبية، التي تريد فهم هذه الشعوب، والخلوص الى خصائصها.
واعتراف بما تضمه من أدب عامي، أنتجه أدباء آثروا استخدامها على استخدام الفصحى، لأنهم عدوا العامية «لغة الحياة» التي ألهمتهم، ويحسون بظلالها ما لا يحسون قبل الفصحى. وصدر الديوان بعد الديوان فيها في السنوات الأخيرة.
ولكن هذا الأدب العامي ليس وليد اليوم. فان له أمثلة أو «بواكير» قديمة عند الأدباء السالفين، بدت فيما سموه الفنون الملحونة مثل الزجل والمواليا. وانما وجه الخلاف بين القديم والحديث في اتساع النطاق: اتساع شمل القصيدة كلها في العصر الحديث؛ واقتصر في القديم على الخرجة في الموشح خاصة، والكلمات والأبيات في غيره؛ واتساع شمل الدواوين في عصرنا، ولم يقع ذلك في القديم لغير الزجل.
وعلى الرغم من ذلك، وجدت الفنون الملحونة من أدباء الفصحى من عنى بها، ودونها، ودرسها، مثل صفي الدين الحلي في كتابه «العاطل الحالي. وابن حجة الحموي في كتابه «بلوغ الأمل» والابشيهي في «المستطرف في كل فن مستظرف» وغيرهم.
1 / 7
ونحن - عندما نتتبع الكتب المؤلفة عن العامية - نجد أنها سارت في طرق متعددة، وسلكت مناهج متباعدة، نظرا لكثرتها، واختلاف نظر مؤلفيها وغايتهم، وتطاول الزمن الذي ألفت فيه.
أما أقدم الكتب فلم تتبع طريقا معينا، ولا التزمت ترتيبا محددا، وانما اعتمدت على الخاطر، تسجل ما يرد عليه. ويمثلها كتاب لحن العامة» لأبي الحسن علي بن حمزة الكسائي المتوفي في ١٩٨ هـ، و«درة الغواص في أوهام الخواص» لأبي محمد القاسم بن علي الحريري المتوفي في ٥١٦ هـ، و«سهم الألحاظ في وهم الألفاظ» لمحمد بن ابراهيم بن الحنبلي، المتوفي في ١٠٢٨ هـ.
ثم ظهر لون ساذج من الترتيب. فقد عمد بعض المؤلفين الى تقسيم كتابه الى فصول، معتمدا على نوع التحريف الذي أحدثته العامية في الكلمة، ويتمثل هذا الترتيب في «اصلاح المنطق» لأبي اسحاق يعقوب بن السكيت المتوفي في ٢١٦ هـ، و«أدب الكاتب» لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة المتوفي في ٢٧٦ هـ، و«الفصيح» لأبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب المتوفي في ٢٩١ هـ، و«لحن العامة» لأبي بكر محمد بن الحسن الزبيدي المتوفي في ٣٧٩ هـ، و«تثقيف اللسان وتلقيح الجنان» لأبي حفص عمر بن خلف بن مكي الصقلي المتوفي في ٥٠١، و«» التكملة فيما يلحن فيه العامة» لأبي منصور موهوب بن أحمد الجواليقي المتوفي في ٥٤٠ وغيرهم.
ولجأ المتأخرون - من الملتزمين بهذا الترتيب - الى اتمامه، باتباع الترتيب الألفبائي في داخل الفصول. ولم أجد هذا الترتيب المزدوج الا عند صديق بن حسن خان القنوجي في كتابه «لف القماط على تصحيح بعض ما استعملته العامة من العربي والدخيل والمولد والأغلاط» الذي ألفه في ١٢٩٦ هـ/١٨٧٨ م.
وكان ذروة الترتيب النظام الألفبائي يخلص له الكتاب كله. وسار الذين اتبعوا هذا النظام في طريقين. فقد رأى بعضهم ما بين العامية والفصحى من تباعد، فاعتقد أن ذلك يقتضي نهجًا خاصًا بالعامية لا تشاركها فيه الفصحى، فغض النظر عن نظام الحروف الأصلية الذي تلتزم به معاجم الفصحى، ورتب الكلمات في كتابه وفق حروفها كلها، سواء كانت أصلية أو مزيدة. فعل ذلك أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي
1 / 8
(المتوفى في ٥٩٧ هـ)، الذي ألف كتابه: «لحن العامة» في ٥٦٨ هـ، ورشيد عطية في «الدليل الى مرادف العامي والدخيل» (طبع في ١٨٩٨) و«معجم عطية في العامي والدخيل» (طبع ١٩٤٤) وحسن توفيق في «أصول الكلمات العامية» (١٨٩٩ م) والدكتور أحمد عيسى في «المحكم في أصول الكلمات العامية» ومحمد دياب في معجم الألفاظ الحديثة (١٩١٩) وغيرهم.
واحتضن بعضهم النظام المألوف فرتبوا ألفاظهم على حروفها الأصول وحدها. فعل ذلك أبو المحاسن جمال الدين يوسف بن زكريا المغربي المتوفي في ١٠١٩ هـ في كتابه «رفع الاصر عن كلام أهل مصر» ومحمد بن أبي السرور البكري في كتابه «القول المقتضب فيما وافق لغة أهل مصر من لغة العرب» الذي ألفه في ١٠٥٧ هـ، والسيد وفا محمد القوني في كتابه «التحفة الوفائية في اللغة العامية المصرية».
وفي الربع الأول من هذا القرن ظهرت مجموعة من الكتب المدرسية التي تحاول أن تقي التلاميذ من الوقوع في شرك الألفاظ العامية، وأن تهديهم الى الطريق السوي في يسر. فاعتمدت - من أجل ذلك - على نظام الجداول، تضع فيها الكلمة الخاطئة (أو العامية) وتشفعها بالكلمة الصائبة (أو الفصيحة). ويمثل هذه المجموعة كتاب «الدرر السنية» لحسين فتوح ومحمد على عبد الرحمن (طبع في ١٩٠٨ م) و«تهذيب العامي والمحرف» لحسن علي البدراوي (طبع في ١٩١٢) و«تهذيب الألفاظ العامية» لمحمد علي الدسوقي (طبع في ١٩١٣). و«الخلاصة المرضية» لعبد الرءوف ابراهيم وسيد علي الألفي (طبع في ١٩٢٢) و«المحرف والعامي» لحليم فهمي (طبع في ١٩٢٣) و«قاموس العوام» لحليم دموس (طبع في ١٩٢٣). ورتب أكثر رجال هذه المجموعة ألفاظهم على الألفباء سوى الدسوقي وحليم فهمي اللذين اتبعا ترتيبا شبيها بترتيب القنوجي في «لف القماط».
وابتدأت الكتب المؤلفة في العامية برسائل موجزة، تكتفي بايراد اللفظ الخاطئ وتصويبه، مع شاهد من القرآن أو الشعر. ولكنها أخذت في الطول شيئا فشيئا حتى ارتمت في أحضان الأخبار والأشعار والأحاديث والتعليقات النحوية والصرفية والاستطرادات في القرنين الخامس والسادس واستمرت تميل الى نظام المتون تارة، والى نظام الأخبار الأدبية والاستطرادية أخرى، وتتوسط بين ذلك ثالثة، حتى غلب عليها الايجاز والتوسط في العصر الحديث.
1 / 9
وكانت الكتب الأولى من العاميات لا تلتفت الى ما فيها من دخيل، ولكن سرعان ما جذب الانتباه. فأفرد ابن قتيبة له بابا في أدب الكاتب. ثم ظهر هذا الأمر ثانية في القرن التاسع عشر حين اشتد أخذ المشارقة من اللغات الأوربية. ولذلك كانت الألفاظ الدخيلة في الكتب الأولى فارسية ثم تركية، وصارت في العهد الأخير من كل جنس ولغة. وأعظم من عني بهذه الناحية رشيد عطية والدكتور أحمد عيسى والقس طوبيا.
ونالت أربعة كتب منها اعجاب اللغويين، فدارت حولها دراسات ضخمة، ما بين شرح واختصار وتهذيب وترتيب وتكملة ونقد ودفاع ونظم وشرح للنظم، هذه الكتب هي اصلاح ابن السكيت، وأدب ابن قتيبة، وفصيح ثعلب، ودرة الحريري.
ونستبين من هذه الجولة أن العامية المصرية وجدت في القرون الأربعة الأخيرة من يعنى بها، ويؤلف عنها. ذكرت أسماء ثلاثة فعلوا ذلك، هم يوسف بن زكريا المغربي المتوفي ١٠١٩، وابن أبي السرور البكري ثم السيد وفا القوني. ويمكن أن أضيف اليهم محب الدين أبا الفيض السيد محمد مرتضى الحسيني الزبيدي (١١٤٥ - ١٢٠٥) الذي أضاف شيئا من ألفاظ العامية المصرية الى معجمه «تاج العروس من جواهر القاموس».
ولم ترم هذه الكتب الى النقد والتسفيه بل الى التسجيل واكتشاف الروابط بين العامية والفصحى، فقصدت الى تسجيل اللفظ العامي، ومعناه، وأصله الفصيح ان كان عربيا أصيلا. يقول المغربي: «مقصد الفقير يوسف المغربي أن .. يهذب ما يقع من عوام أهل مصر بأن يرجعه للصواب ... وليس المراد أن جميع ما صدر من الناس أصححه، وانما ما قبل الصحة نبينه، وما لا يقبل أصرح بعدم قبوله». ولما كان القول المقتضب تلخيصا لرفع الاصر، فقد اقتصر البكري على النوع الأول من الألفاظ، وقال: «لم أذكر فيه الا كل لفظ له أصل في اللغة العربية، والناطق بها أهل الديار المصرية». ولكن ناقده يوسف الملوى الشهير بابن الوكيل عابه على هذا واستدركه عليه وقال: «لم يثبت في كتابه الا ما له أصل في كتب اللغة خوفا من الاسهاب. ورأيت ذلك أخل بالمقصود من وضع الأصل، وأن ما أتى به لا فائدة فيه، لوجوده في كتب اللغة المشهورة عن أهل الفضل. فأحببت أن أضم له ما تفرد به أهل مصر من اللغة التي لا يستعملها أحد من الأمم سواهم، كما فعله صاحب الأصل، وتوجيه ما استعملوه مما لم يوجد في نقل».
1 / 10
واتبع المغربي والبكري ترتيب القاموسي المحيط .. للفيروز أبادي فجردا الكلمة من حروفها الزوائد ثم رتباها على الأصول وحدها. فنظرا الى الحرف الأخير أولا وجعلاه الباب، ثم نظرا الى الحرف الأول وجعلاه الفصل، ثم رتبا الحشو الذي اختل عليهما كثيرا. قال المغربي: «يرتب هذا الكتاب على أبهج ترتيب ... وهو على حروف الهجاء كالقاموس مع تسامح في الأصلي والزائد». وقال البكري: «مرتبًا ذلك على ترتيب القاموس كأصله». وعدل القوني عن هذا النظام الى النظام المألوف، الذي ينظر الى الكلمة مبتدئًا بالحرف الأصلي الأول فالثاني فالثالث .. الى آخر أصولها ولكن يعيبه اضطراب الترتيب في بعض المواضع، والحاقه ما نسيه في فصل الألف والباء من الكلمات بعد انتهاء فصل الباء، واعتداده بهمزة المتكلم في الترتيب كأنما هي حرف أصيل من الكلمة.
وأطال المغربي في علاجه للألفاظ، حتى قال عنه مؤلفه: «مشتملا على شفاء الصدور، وبهجة النفوس، من أشعار فائقة، ولطائف رائعة، وما سمعته من العلماء، واجتليته من شموس أفهام الفهماء، أو ظفرت به في الكتب، أو سمحت به الفكرة مما يرسم بالذهب ... بل لا يخلو من الفوائد التفسيرية، والفرائد الحديثية، وكثير من العلوم على كثرة تفننها». وقد أشاد ابن الوكيل بهذه الظاهرة فيه، ورأى أن ذلك «يشهد لصاحبه بطول اليد في اللغات، واستكماله من العلوم لسائر الأدوات». ولكن البكري عاب هذه الآطالة، ومن أجل التخلص منها ألف كتابه، قال: «أسهب فيه غاية الاسهاب، باستطراده في بعض الألفاظ اللغوية التي ليست من شرط الكتاب مع ذكره أشعارا وحكايات من قسم الاستطراد، اذ لا معنى لها في هذا التصنيف، ولا مدخل لها في هذا التأليف. فخطر لي أن ألخص من محاسنه». والظاهرة الواضحة في كتاب القوني الاحتفال بالأمثال العامية، وعدم التحرج من التفسير بعبارة عامية أحيانا.
ويعيب رفع الاصر والقول المقتضب عدم ضبط كثير من الألفاظ التي أورداها وفسراها. كما يعيب القول المقتضب اهتمامه بالمعاني الفصيحة فقد كان يذكر اللفظ ثم يعدد معانيه في العربية الفصحى لا العامية. وبرئت التحفة من هذين العيبين فقد ضبطت ما ضمت من ألفاظ، وجعلت وكدها المعاني العامية لا الفصيحة.
وتصل بنا هذه الجولة المتشعبة الى هدفنا الذي كنا نمهد له، وهو هذا الكتاب، الذي ألفه واحد من أعلام العربية في العصر الحديث، اقتنى مكتبة من أكبر المكتبات الخاصة بمصر - ان لم تكن بالعالم العربي - وأثراها
1 / 11
بالتراث العربي، وعاش لها يبحث عن كل ما تفتقده من كتب، وفيها يطالع ما تضم، وتعن له الملاحظات فيدونها في الحواشي، ويفطن الى أن ما يقرأ يصلح لموضوع ما فيلتقطه، ويدونه في كراس يخصصه لهذا الموضوع مشفوعا بمصدره وموضعه فيه، وتعليق منه عليه في بعض الأحيان. وتنمو الملتقطات في الكراسات المتعددة يوما بعد يوم حتى تصير رسائل لطيفة أو كتبا كبيرة.
ومن هذه المدونات هذا الكتاب الذي نضعه بين يدي القارئ. التقط فيه صاحبه كل ما وقع عليه بصره مما يمت الى اللغة العامية بسبب: مفرداتها، قواعدها، أدبها.
المفردات التي استعملها العامة من معاصريه، ومن الأجيال السابقة عليهم. أما العامي المعاصر له فقد أخذه من أفواه من اتصل بهم من المصريين، وحاول ما استطاع الاستقصاء والتنويع في هذا الأخذ، فوردت في كتابه ألفاظ من جهات متفرقة من ربوع مصر المتباعدة: من دمياط في شرق الدلتا، ورشيد والاسكندرية في غربها، ومن أسوان في أقصى الصعيد، وغيرها. وأخذ عن الخدم والباعة و«البرابرة» وغيرهم من الفئات المختلفة.
وأما العامي القديم فالتقطه من بطون الكتب: ما كان منها للحن والعامية، وما لم يكن، وما اختص منها بالعامية المصرية وما تجاوزها الى غيرها من العاميات. وحاول فيه أن يبين منشأه، بأن يذكر أقدم مصدر ورد فيه اللفظ العامي. وقد أفاد ذلك الكتاب ثراء في المادة، واتساعا في مجال البحث فلا تتحدد بمصر وحدها، ونهجا تاريخيا - أو ذا مسحة تاريخية - في التناول.
ولم يقتصر على نوع معين من المفردات. فلم يعن بالعربي الأصيل ويهمل ما لم يدرك له أصلا عربيا، أو ما عرف له مصدرا غير عربي. ولم يفرق بين دخيل قديم أو حديث. وانما أتى بكل ما عرف، وأورد كل ما توصل اليه من أصول عربية وفارسية وتركية وايطالية وانجليزية وفرنسية وغيرها، معتمدا في بعض ذلك على الظن أو الترجيح أو الاشارة التي يرجو من الباحث القادر أن يحققها.
ورأى أن أيسر سبيل لترتيب هذه الألفاظ النظام الألفبائي، تخضع له الكلمة من حرفها الأول فالثاني فالثالث الى آخر الحروف، لا فرق في ذلك بين حرف أصلي ومزيد.
1 / 12
وتأمل في اللغة العامية، وفحص الظواهر التي تخضع لها، فاكتشف بعض قواعدها في الابدال والقلب والاشباع والقصر والمزاوجة والاتباع والامالة والادغام والفك والتعريب وما اليها. فرجع الى الكتب التي تحدثت عن هذه القواعد في اللغة الفصيحة. ودون ما توصل اليه من ظواهر عامية، وأمثالها في الفصحى، وقواعدها هنا وهناك. واكتفى في أحيان كثيرة بايراد أسماء الكتب التي تعرض لهذه الظواهر، ومواضع ذلك فيها. وعنى بالابدال خاصة. فتتبع كل حرف من حروف الألفباء، وذكر الحروف التي تبدل منه، والتي يبدل هو منها، وما يعتريه من تغييرات أخرى في الفصحى والعامية. فشغل هذا الباب منه أكثر مما شغلت بقية الأبواب مجتمعة. وجعل حديثه عن هذه القواعد مقدمة للمعجم. وهي مقدمة طويلة، لا أغلو حين أعدها كتابا، ولذلك رأيت أن تخرج في جزء مستقل عن المعجم.
ومنح شيئا من عنايته لأدب العامة. فتحدث - في المقدمة - عما أصدروا من فنون شعرية، وما توصلوا اليه من صناعة بلاغية، ومن ظهر بينهم من شعراء. فعل ذلك في ايجاز شديد.
ولكن هذه العناية اشتدت - في المعجم - بالعبارات الأدبية التي أصدروها. فسرت فيهم، وجرت على ألسنتهم: أمثالا، وحكما، ونصائح وملاحظات صادقة، ونداء على السلع، وما ماثلها.
كل ذلك يجعل من هذا المعجم أكبر كتاب في العامية المصرية: أكثرها ألفاظا، وأوسعها مجالا، وأشدها وصلا بين العامية المصرية واللغة الفصحى، وبين العامية المصرية وغيرها من العامية، وأشملها للجوانب المختلفة من اللغة العامية، وأحسنها تصويرا لها في مفرداتها وقواعدها وأدبها، وأقربها عهدا بنا، وأسهلها ترتيبا.
لا غرابة اذن أن نعتقد أن الكتاب جدير بالطبع. وشاءت الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر - مشكورة - أن تعهد الى اعداده لذاك. وتصورت الأمر يسيرًا، فان لي بعض الدربة على التحقيق. ولكن دراسة ما خلفه المغفور له أحمد تيمور باشا بددت هذا التصور، وكشفت أن الأمر ليس تحقيقا مجردا، بل لا بد من عمل يضاف اليه.
فقد خصص المؤلف كراسين كبيرين للقواعد، وأفرد مجموعة من الأوراق لكل ظاهرة من الظواهر اللغوية التي تحدث عنها دون فيها ما عثر عليه من النصوص والأقوال والآراء التي يمكن أن تندرج تحتها. وبمرور الوقت، اكتشف ظواهر لم يفطن اليها في أول الأمر، فمنحها مجموعة
1 / 13
من الأوراق الأخيرة. وعندما أعاد النظر في هذه الظواهر المتجمعة عنده. وجد أنه يجمل به أن يجري شيئا من التغيير في ترتيب هذه الظواهر، لأن بعضها يتصل بظواهر بعيدة عنه. فأشار الى الموضع الذي يراه أهلا لهذه الظواهر.
فقال على رأس «مقدمة الحروف»: «تؤخذ في أولها لا هنا» أي توضع في صدر الحديث عن ابدال الحروف. وقال في الامالة: «اذكر الامالة مع الحركات». وفي النحت: «يذكر بعد الاتباع». وفي مذهب العامة في التعريب: «يؤخذ بعد الحروف الفرعية والحركات». وفي النعت: «يقدم على التوكيد». وفي أسماء الشهور والأيام: «الأولى ذكر هذا الفصل بعد العلم أو يذكر مع ظرف الزمان والمكان». وفي الرباعي المجرد من الأفعال: «يقدم على المزيد فيه».
ولم يكتف بهذه الاشارات الخارجية بل علل وضعه بعض الظواهر في موضعها، في أول حديثه عنها. قال في صدر تناوله للقلب المكاني: «وقد آثرنا ذكره بعد الحروف لأنه تغيير في الكلمة بتقديم بعض حروفها وتأخير بعضها». وكذا فعل في الاشباع والقصر والمزاوجة والاتباع.
ولكن اشاراته تركت بعض الظواهر غير محددة الموضع. فوجب على أن أبت أنا فيها. ففعلت مهتديا بموضعها في الكراس، وبالظاهرة التي تقترب منها. كذلك اضطررت الى ترتيب الألفاظ في المعجم، معتمدا على الأسس التي وضعها لترتيبها.
ووجدت بعض العناوين لم يسجل تحتها شيئا، فاحتفظت بها، لتبين أنها واحدة من الظواهر العامية وان لم يكتب عنها شيئا. وهي - لحسن الحظ - قليلة كل القلة، تتمثل في الرباعي المجرد، والمصدر، والمرة والهيئة، والمصدر الميمي.
وبالرغم من ذلك، فالمشلكة الكبرى كانت في المادة المسجلة تحت العناوين، وخاصة في القواعد. فان المغفور له أحمد تيمور كان يطالع الكتاب، ويلتقط منه النصوص المتصلة بالعامية، ويوزعها على الظواهر التي تعالجها، ويثبتها فور عثوره عليها. فعل ذلك في كتاب بعد كتاب مما قرأ، فخلت مدوناته من كل ترتيب، لأن القاعدة الواحدة يكتب عنها مرة واثنتين وثلاثا، في الموضع الواحد، والاثنين والثلاثة .. الخ، تقاربت هذه المواضع أو تباعدت. وقد يفطن القارئ أن المواد المدونة ترد حسب موضعها من مصادرها الأصلية، ولكن الكاتب - فيما أظن - لم يلتزم ترتيب الأجزاء في الكتب التي قرأها، وقرأ الكتاب الواحد أكثر من
1 / 14
مرة، فاستدرك ما فاته في القراءة السابقة. فخلت المادة حتى من هذا الترتيب.
وكان محالا أن تترك المادة على هذه الفوضى التي لم يقصد الهيا المؤلف، وتطرد القارئ، وتحجب الفائدة. فرأيت أن أخضعها للترتيب الذي اضطرني الى التقديم والتأخير فيها، والى زيادة بعض العناوين من عندي بين معقوفين، والى حذف العناوين المكررة التي تبين انتماء الخبر. وشجعني على ذلك أن الكاتب نفسه أوصى بشيء من ذلك، في بعض المواضع. فأوصى بنقل الحديث عن الباء من فصل المؤنث والمذكر الى حرف الزاي، وعن بعض الألوان من فصل التوكيد الى النعت.
ولم يدون الكاتب بعض النصوص واكتفى بالاشارة الى المرجع وموضع ذلك فيه، خاصة النصوص الطويلة والعلاج المستقصى للظواهر فرأيت أن ذلك يكون قائمة غنية بمراجع كثير من الأبحاث (ببليوجرافيا)، وهي عظيمة النفع لأنها تهدي الباحث وتضيء سبييله، ولكنها ثقيلة أمام القارئ لا يستطيع أن ينفذ خلالها. واعتقدت أن الموضع اللائق بها الحاشية. فأنزلت اليها هذا القسط من المادة أو أغلبه، بالرغم أن الكاتب لم يفرق بين متن وحاشية. وحافظت جاهدا - في الحاشية - على عبارة الكاتب، على الرغم أن ذلك أدى الى شيء من التكرار الممل أحيانا.
فأنا اذن لم أضف شيئا من عندي غير عناوين قليلة وضعتها بين معقوفات، ولم أحذف الا ما استلزم السياق الجديد حذفه وما كان يذكره الكاتب ويكرره مضطرا لافتقاد الترتيب في مادته. ولم أجر على العبارة تغييرا، أو لم أكد. وكل ما فعلت كان سياق الكتاب نفسه يقتضيه. وأرجو ألا أكون قد افتت على الكتاب أو على كاتبه اعلامة البحاثة.
وما فعلت ما فعلت الا ايمانا مني بقيمة الكتاب العظيمة.
والشكر واجب علي للجنة نشر المؤلفات التيمورية التي وضعت بين يدي أصول الكتاب، وما نسخته عنها، وما تتبعته من أقوال له منثورة في كراساته وكتبه؛ وللهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر التي عنيت بنشر الكتاب على القراء؛ وللأستاذة الدكتورة سهير القلماوي التي لم تأل جهدًا في اخراجه منذ عرفت قيمته، ويسرت كل سبيل من أجل ذلك.
ولله الحمد، وفق الى ما وفق، ويسر ما يسر.
حسين نصار
1 / 15
افتتاحية الكتاب
أما بعد:
فإن اللغة الشريفة العربية - صانها الله وأعادها لسابق جدتها - لما تطرق إليها الفساد بكثرة الدخيل، وشيوع اللحن والتحريف، بسبب ما استلزمه الفتح الإسلامي من الاختلاط بغير العرب، هب أئمتها ﵃، وجزاهم خير الجزاء - لحياطتها، والذود عن حياضها، بتدوين أصولها وقواعدها وتقييد شواردها وأوابدها، حفاظًا لها من الضياع بتغيير الأزمان والأوضاع، فلم يغادروا صغيرة ولا كبيرة إلا أحصوها فيما ألفوه ودونوه. لا سيما ما يختص بالتفريق بين العربي الأصيل، وما صار في حكمه من معربات العرب، وبين ما ولده المحدثون، وابتذلته العامة، صونًا للغة من الخطل، وتمييزًا للطيب من الخبيث، والصحيح من البهرج ...
إما بالتنبيه في المعاجم، أو فيما أفردوه لذلك من التأليف. لم يزل ذلك دأبهم حقبة بعد حقبة، وجيلًا بعد جيل، حتى وصل الأمر في القرون الأخيرة إلى العالمين المحققين: شهاب الدين الخفاجي، ومحمد أمين المحبي، وقد طمى السيل، وطفح الكيل. فوضعا كتابيهما في الدخيل «شفاء الغليل»، و«قصد السبيل».
ثم احتذاهما غيرهما من أفاضل تلك العصور وما بعدها، ممن وقفنا على آثارهم، أو لم نقف ...
1 / 17
بيد أن هذه الكتب أصبحت غير وافية بحاجة الزمان، لحدوث مالم يكن، ودروس ما قد كان. وقد قلبتُ الطرف فلم أجد بين العصريين من عُني بذلك إلاّ أفرادًا في رسائل لهم مختصرة، وشذرات غير وافية، بحيث أصبحنا في حاجة كبرى لوضع كتاب كافٍ، يكشف عن أصول الكلمات العامية ومعانيها، ويحل معقودها، ويوضح غامضها، ويبين مرادفها من الفصيح.
فاستخرت الله في جمع هذا الكتاب «خاصًا بلغة عامة المصريين المستعملة الآن» وقيدت فيها ما وصل إليه الجهد، مرتبًا إياه على حروف المعجم، ومصدرًِّا له بمقدمة تشتمل على ثلاثة أبواب، لا بد للمطالع من الوقوف عليها، وسميته بعد ترتيبه وتهذيبه - بـ «المعجم الكبير». والله آسأل أن يعمم به النفع، ويجعله خالصًا لوجهه الكريم.
الغرض الأول من الكتاب وبيان ترتيبه
غرضنا الأول من وضع هذا الكتاب: إحياء اللغة العربية الصحيحة بذكر العاميّ، وتفسيره، ورده إلى نصابه من الصحة إن كان عربيّ الأصل، أو بيان مرادفه - إن لم يكن كذلك - ليحلّ محله، ويرجع إليه في الاستعمال.
فإن جهلناه اقتصرنا على تفسير المعنى وتوضيحه، ليتسنى لمن وجده بعدنا أن يتمم ما بدأنا به، ويوفي ما قصرّنا فيه، فيكون ذكرنا له بمثابة التنبيه والإرشاد إليه.
وليس قصدنا إثبات كل ما نطقت به العامة، سواء صح أو لم يصح، بل القصد الاقتصار على ما تتطلبه الحاجة، وتدعو إليه الضرورة، وإهمال
1 / 18
ما عداه مما اشتهرت صحته، أو تغير تغيرًا طفيفًا لا يطمس معالمه أو يصرفه عن منحاه، وكان أمر تصحيحه ميسورًا بالرجوع إلى معاجم اللغة وقواعد العربية.
ولتفصيل هذا الإجمال نقول: تقسم الكلمات العامية من حيث أصولها، إلى ثلاثة أقسام:
قسم عربيّ الأصل، وهو الكثير الغالب.
وقسم دخيل، من لغات شتى.
وقسم عاميّ محض لا أصل لهو أو غاب عنا أصله.
(١) أما العربيّ الأصل: فمنه ما أبقى على أصله، واستعمل في معناه الموضوع له، كـ «باب، وجامع، وجمل، وإنسان» وكـ «ضرب، وبنى» وكـ «على» و«في». ولا عبرة بتسكين الأواخر، فإنه لا يعد تغييرًا في بنية الكلمة، بل هي قاعدة لهم في حذف الإعراب، وتسكين أواخر الكلم، سنتكلم عليها في باب القواعد. فمثل هذا لا نرى داعيًا لذكره، إلاّ لفائدة تعرض، أو يتوّهم فيه أنه على خلاف أصله.
ومنه ما حرّفوه بعض التحريف بتغيير حركة بحركة مثل (قِفل) بالكسر في (قُفل) بالضم، و(صَنْدوقْ) بالفتح في (صُنْدوق) بالضمّ. وحاله في الذكر كحال سابقه، إلاّ إذا وافق تحريفه لغة من لغات العرب كقولهم: (شِعير) بالكسر في (شَعير) بالفتح، وككسرهم أحرف المضارعة، فنذكره لبيان ذلك، إما في حرفه من الكتاب، إن كان خاصًا بالكلمة، أو في باب القواعد، إن كان عامًا.
ومن ما أُبقى على أصله، إلاّ أنه استعمل في غير معناه إما اعتباطًا أو تجوزًا لعلاقة ما، فمثله نذكره ونبين الصواب فيه. ومنه ما كان التغيير
1 / 19
فيه كثيرًا، أو أبدت بعض أحرفه بأخرى. وحاله في الذكر كحال سابقه.
(٢) وأما الدخيل من اللغات الأخرى كالتركية، والفارسية، والمصرية القديمة وغيرها، فنذكره، ونفسره، ونبين أصله، ومرادفه - إن وقفنا عليه - خلا أشياء من اللغات الإفرنجية، ضربنا عنها صفحا، كبعض أسماء الآلات المستحدثة ودقائق أجزائها، لأنا لم نجد فائدة في ذكرها مجردة، ولأن إيجاد مرادفات لها ليس مما يستقل به الفرد.
كما أننا أهملنا أعلام البلدان والقرى المصرية، مما كان منها أعجميّ الأصل، أو عربيه، إلاّ في النادر، أو لمناسبة، لأن في كتبها الموضوعة لها ما يغني عن ذكرها.
(٣) وأما العاميّ المحض: وهو ما ارتجلته العامة، أو لم نصل إلى معرفة أصله، فنذكره، ونبين معناه ومرادفه. وقد لا نذكر للكلمة مرادفًا، لأنه يعرف من تفسيرها. وربما وضعنا لبعض المعرّبات العامية مرادفات أصلها معرّب، وذلك لأن العرب عرّبتها فصارت عربية.
ولا تخالنّ أننا استقصينا في كتابنا هذا جميع ما كان على شرطنا من الكلام العاميّ بحيث لم تشذ عنا كلمة، فذلك مما لا سبيل إليه، إلاّ بالتفرغ التام، وإفناء الزمن الطويل بحثًا وتنقيبًا. وإنما مرادنا أنّ ما نذكره فيه لا يخرج عما اشترطناه، ونرجو أن يكون ما فاتنا غير كثير. هذا، ولما كان في العاميّ ما هو قديم الاستعمال، وما هو حديثه، ولا تخفى الفائدة من معرفة تاريخ الكلمة، وبدء استعمالها عندهم، وكان إثبات ذلك متعذرًا، بل مستحيلًا، أردنا تقريبه بالتنبيه على ما رأيناه مذكورًا في كتاب أو شعر أو عبارة مع ذكر وفاة المؤلف أو القائل أو زمنه، إذا تيسير لنا ذلك ليُعلم أن الكلمة مما استُعمل في ذلك العصر أو قبله.
1 / 20
كما أننا لم نُخل الكتاب من ذكر كثير من أمثالهم السائرة وألفاظهم المستعملة في المناداة على السلع، وفي التندير والضنترة (الطنز) المعبر عنهما عندهم بالتنكيت والتأليس، وأقوالهم في الرقي والدعوات، وكلمات نسائهم في التأخيذ المسمى عندهن بالشبشبة، وشرح ألعابهم، وغير ذلك كلما جرت إليه المناسبة، واقتضاه المقام، بحيث أصبح شاملًا لكثير من احوالهم وعاداتهم، فوق ما فيه من لغاتهم. وذكرنا أيضًا كناياتهم ورموزهم.
أما ترتيبه فعلى حروف المعجم، باعتبار أوائل الكلمات، مع مراعاة الحرف الثاني فالثالث، وهلم جرًا، معتمدين في الوضع على هيئة الكلمة وتركيبها، بلا نظر إلى زائد أو أصلي إلاّ فيما اقتضته اشتقاقاتهم وتصاريفهم، أو دعا إليه تيسير الكشف وتسهيل الراجعة. ولفظ ابن، وأب، وغيرهما - المضافة إلى الأسماء - لا تعتد بها في ترتيب الكلمات في حروفها.
وربما اضطررنا لتفسير كلمة مع أخرى من غير حرفها، إما لأنها من متمماتها، أو لفائدة تعرض. ففي هذه الحالة نثبتها في موضعها من حرفها ونحيل على مكان تفسيرها.
وما فسرناه من الألفاظ اللغوية لم نقتصر فيه على كتاب واحد، كالقاموس أو نحوه. ولا نتسرع بالانتقاد إلاّ بعد البحث إنصافًا.
وربما رجعنا فيها إلى كتبها المؤلفة فيها، إن كانت في الفلاحة، أو الكتابة وأدواتها أو غير ذلك.
«أحمد تيمور»
1 / 21
مقدمة الحروف (١)
تتألف لغة العامة من حروف المعجم المعروفة في العربية، لأنها فرع عن هذه اللغة، غير أنها فيها سبعة وعشرون فقط، بإسقاط الثاء والذال، فإنّهما لا وجود لهما فيها، كما سيأتي بيانه بعد هذا.
وقد نطقوا بأسماء بعضها على الصحة، وهي: الألف، والجيم، والدّال، والذّال، والسّين، والشّين، والصّاد، والضّاد، والقاف، والكاف، واللام، والميم، والنون، والواو.
_________
(١) سر الصناعة ٣٦: علة تسمية حروف المعجم، وفي ص ٢٩ منه: معنى قولهم: حروف المعجم، وفي ص ٣٤ منه أيضا: أعجمت الكتاب. ألف باء ١: ١٧١: تصغير حروف المعجم، وفي ص ٢١٥ منه: تفضيل حروف المعجم بعضها بعض. سر الفصاحة ص ١٧ المعجم في قولهم: «حروف المعجم» ليس بصفة للحروف، والكلام على الحروف وعددها.
وانظر الكتاب رقم ٧٢٤ شعر ظهر ص ١٨٦: «حروف الهجاية» أي الهجاء، والعامة تقول ذلك أيضا.
سر الصناعة لابن جنى ٥٨٩: حروف المعجم ما دامت حروف هجاء فهي سواكن الأواخر. السيرافي على سيبويه ١: ١٢٦، ووسط ص ١٢٨: تسكين أواخر حروف الاعداد كقولك: واحد، اثنان، الخ، وكذلك حروف المعجم كقولك: ألف، عين؛ الخ، أو فتحها، وكلام فيها. المحتسب ٢: ٢٠٢ شيء عن اسكان أواخر حروف المعجم. وفي مقدمة لسان العرب ١: ٦: حروف المعجم سواكن الأواخر، وكذلك الاعداد. وفيها تأنيث حروف المعجم .. الخ، وبعد الوسط: ألف وأليف.
التذكرة الخاطبية ٢٦٤ - بعد وسطها عن تثقيف اللسان - حروف المعجم تؤنث وتذكر، والعامة تؤنث فقط. السيرافي على سيبويه ١: ١٣٠. المسألة ٢٧ من مسائل الراعي ص ٨٤ من أمالي المرتضي: في الحروف الممدودة، وكونها اذا نصرت تؤنث .. همع الهوامع ج ١ أواخر ص ٣٤: منع حروف المعجم من الصرف أو صرفها. السيرافي على سيبويه ١: ١٢٦ - ١٢٨: حروف المعجم وكونها أسماء وقصرها ومدها.
= وفي ص ٣٣١ من ج ٢ من همع الهوامع: الخط، وفيه صور الحروف. التذكرة الطاهرية ج ٣ ص ٢٠٧: كون اللغة العربية تامة الحروف كاملة الألفاظ ... الخ.
سر الفصاحة ١٧: الكلام على الحروف وعددها. همع الهوامع ٢: ٢٢٨: عدد حروف المعجم في العربية، والكلام فيمن عد الهمزة منها أو لم يعدها .. في ص ٤٤١ - ٤٦٣ من السيرافي على سيبويه ج ٦: حروف المعجم وعددها ومخارجها وأحوالها والحروف الفرعية.
فقه اللغة لابن فارس ٦٧: اختصاص لغة العرب بالحاء والظاء والضاد. وفي ج ٢ ص ٢٢٨ من همع الهوامع: الكلام على مخارج الحروف، وكيفية معرفة ذلك، أي مخرج كل حرف بأن يسكن، ويأتي قبله بألف وصل ... الخ ثم الحروف المتقاربة المخرج ... وما انفردت به العرب من الحروف.
وفيه ص ٢٣٠: ألقاب الحروف: مهموسة ومجهورة ومطبقة. وفي ص ٦٠٦ من السيرافي على سيبويه ج ١: تسمية الحروف بالمصوتة والخرساء عند الكوفيين ... الخ.
المحتسب ٢: ٦٤: امالة حروف المعجم وتفخيمها وتوجيه ذلك .. السيرافي على سيبويه ١: ٦٠٦: ما كان من الابدال قياسيا أو سماعيا. امالي القالي ٢: ١٨٨: الابدال عند اللغويين والنحاة. أمالي المرتضى المخطوطة ٢٦٩ - ٢٧٠: القلب في كلام العرب.
1 / 23